بسم الله الرحمن الرحيم
قبس من نور
"... وَلَا تُؤۡتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمۡوَٰلَكُمُ ..."
نداء رباني لكل المخاطبين من أفراد الأمة " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم" أي لا تمكنوا السفهاء كل السفهاء من إدارة أموالهم وأن كانت مملوكة حقيقة لهم فمنفعتها تعود على أمة جمعاء،
والمنع حتى لا يطالها يد السفه والإسراف والتبذير والبذخ والهدر والإفراط والتفريط دون مبالاة فالمال عصب الحياة الاقتصادية وعليه وبه تقوم حياة الناس المعيشية ،
فالنداء صدر بمنع السفهاء من إدارة أموالهم وصرفها في غير وجه حق فهي في النهاية مملوكة للأمة وليس لأحد أفرادها مهما علت مكانته ومنزلته،
ويُكتب للقرآن الكريم السبق الاقتصادي في حفظ المال فلا يتصور أن أحدا يؤتي ماله إلى سفيه، إلا أن هذا من باب التنبيه والتحذير الإلهي لبيان علة المنع والتمكين للسفهاء من التصرف غير المسؤول في أموالهم الخاصة ومنعهم من إتلافها وتبذيرها لأن حقوق الأمة متعلقة بها، فهي متداولة من يد لأخرى...
وإن جئت لمعنى السفه فهو خفة العقل واضطرابه، ومنه كانت السفاهة في إضاعة المال عدم المبالاة في الصرف والإنفاق والإهداء والبذخ والرفاهية غير المعهودة الممنوعة ،
فالنهي الإلهي لم يأت من فراغ وإنما لحكمة ارتأها المشرع فالسفيه وإن كان يملك المال ظاهرا فإن سفهه منع تصرفاته وقراراته المالية فهي غير نافذة كونها مبنية على الخفة والسخافة والسذاجة فالسفة نقيض الحكمة والتروي والتأني ، ومنه كان لزاما الحجر أي منع السفيه بحكم الشرع حفظا على ماله من الضياع مع بقاء كافة حقوقيه المالية بتصرف ولاية القضاء
هذه الرقابة التي فوضت إلى الأمة نوع من القيد والمحاسبة ومراعاة حقوقها على من ولي أمرها في الحفاظ على ثرواتها العامة ومكتسباتها،
فالمال به تقوم الحياة المعيشية لذا " وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا..." قياما ما تقوم به حياتكم من نفع من خلال هذه الثروات المتعددة والتبادل التجاري والقيمي من أثمان للسلع بيعا وشراء لتأمين حياة كريمة لكل أفراد المجتمع كونهم شركاء في تلك الثروات ولا تخص فئة السفهاء وحدهم، وما يدفع لإفراد الأمة من المال أولى من غيرهم وليس منة أو هبة أو أعطية وإنما حق لهم من خلال بذل المشاركة في تنمية المال العام والخاص مقابل جهدهم والصدقة على فقيرهم ومحتاجهم "وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ" 19 الذاريات
"وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ" 10 الأعراف
إذن ليست الأموال متروكة هدرا لكل من هب ودب ومهملة دون حماية أو رقابة حتى وأن كنت مالكا للغير فتصرفك بها منوط بالمصلحة العامة
قال الله تعالى"... وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا"26 ،27 الإسراء
قد يسأل سائل لما هذا التدخل في أموال الناس بهذه الصورة، الجواب من القرآن الكريم فقد ذكر أعظم رجل ملك المال "إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ...76 ... إذن الله هو من آتاه هذه الكنوز الموصوفة
وقارون كذب " قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي...78 القصص، ثم جاءت الآية 6 من سورة طه "لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ"6 طه،
إذن كل هذه هبات من الله للبشرية كافة "كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا "20 الإسراء
وشتان بين عطاء ربك الذي لا محاباة فيه لاحد وبين من يمنع الطعام والشراب ويتخذ من الجوع سلاح في قتل البشرية لتحقيق مصالحه، وآخر يبذخ في المال العام ترفا ورفاهية وإسرافا وتبذيرا على متعه وأطماعه ويصرف في كل الوجوه إلا على الجوعى والمرضى والمحتاجين
الدكتور أحمد محمد الشديفات/ عضو أتحاد الأدباء والكتاب الأردنيين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق