للصباحات الجميلة، إلى حيث البدايات المشرقة بالأمل أكتب!!
أكتب أيضًا...
للطبيعة والحياة الزاخرة بالألق، والجمال الساطع في ملامحها البهيجة. للأمل النابض بروابط الأرض والإنسان.
للتضاريس المتنوعة على ملامحها الخلابة، بالاخضرار والدهشة، في حضرة قدوم عروس الربيع، بموكب زفاف الصيف.. على أطلال مقفرة قاحلة، بما تركه الشتاء.
لخيوط الشمس وشعاعها المتسلل بالدفء، ومزيج الهواء العليل، الآتي لتعقيم الأوكسجين من كل الجراثيم الضارة بالأرض والإنسان معًا.
أكتب هنا؛ لأتنفس طيف تلك اللحظات العامرة بِالوهج الروحي، والتيار المفعم بالنشوة وإقصاء الخيبات، حيث لا استياء فيه ولا علقم. "أكتب هنا؛ لأبلسم للجراح تفاؤلاً، وأنفث في الوحل خيبة".... فهنا تدرك أن للصباح حكاية، وللسعي بداية، وكما للحصاد فيه كناية!!
هنا حيث الأنسام تداعب الأشجار، والطير تصدح بالأنغام، فتغدو أنت -منشرح الصدر عامر القلب مجبور الخاطر- منبسط الفؤاد.. خالي الهم، شغوف الوجدان، في غضون تلك الحاسمة.
ستشعر ومن أول وهلة!! أن السر الكامن في هذا الوجود، يتجلى رونقه في سحر الطبيعة، وحب الحياة، والاندماج مع سفوحها، وسهولها، وهضابها، وجبالها أيضًا.
في الأعلى والأسفل، في المنخفض والمرتفع، في التلال والربى والحقول، في الشِّعب والوادي، في الطود والعقبة، في المستوى والمنحدر.
على شواطئ البحار وفي ضفاف الأنهار، في غرابة العدم وتكوين الوجود، في باطن الكون، وأسرار الإله!!
في الإيمان باليقين، والشك بالتصديق.
في نفي الحقيقة، وجزم المجهول.
في الركض نحو آفاق المعرفة، لإثبات البراهين.
في النجاة من الغرق، بِبحر اضطراب الموج، وتداخل الأفكار، وعدم التمييز بين الخطأ والصواب.
في التأمل طويلاً بامتداد الفيافي، وتعاريج الدرب، وحجم العالم بما فيه... من محيطات وغابات أرياف، ومدن -بدو وحضر- يابس وماء ومعجزات، لا تُعد ولا تُحصى.
ومع ذلك؛ لن يوازي كل هذا شيئًا بالمقارنة في عظمة الحاكم السماوي المدبر لهذا الكون الواسع، بإحِكام.
ستدرك حينها إنك ليس إلا "حبة خردلٍ" في فلاة، يتلاعب بها الريح يمينًا ويسارًا، طولاً وعرضًا كيفما شاء!! وأنت فاقد القدرة على السيطرة والتحكم بمدى إدراكك البالغ سقف غرورك وكبريائك العمياء، في لج اللامتاهة.. وتحت سياج اللاسبيل في الوصول إلى الكمال، الطامح ترسيخه في مخيلتك، المقصورة على استيعاب ما ترنو الاستحواذ عنه.
أيضًا العقل المحصور داخل إطار الجمجمة، والأسير بوثاقه هناك؛ خلف قضبان القفص الرأسي، لن يكون ليس إلا "قطرةً في مخيلة البحر" ومحدود التمادي في أقصى ناصية الحلم.. البعيدة من سدرة المنتهى، مالا يكفي لقطع المسافات، مسير الحُقب.
كنتَ في جولةٍ قصيرة من الدوران حول إزار نفسك، فلا تتطاوع بالمزيد من اللا تُرى. كن جديرًا و جِد بما بلغ السُرى.. قط هذا ما عليه أنت بالمستطاع ستقدر.!!
ومن هنا أقرر العودة إلى حيث كان حديثي يرسو:
حيث لا أشرعة لدى رُبان المتحدث. أعود للواقع السفلي بين طبقات البشر.. هنا لأكمل للتو، تعاقب الفكرة مع جوهر الطبيعة، وإيلاج الخيال في جذور النبتة. حيث تسمو بنا تلك المواويل بالعزف والدندنة أفواجًا بما لا نفقه، "بأنَّا ذريةٌ نسلها من طين، وأنَّا أمةٌ أمشاجها من ماء مهين". وأنَّا الأرض أمصارٌ شُيَّدت للعالمين، بانيها الإنسان، وبقاءها فان.
ولذا أجزم هنا؛ بأنَّا من الطبيعة -ما فيها- شغفٌ يسكن ذواتنا، ويتأقلم مع تقلباتنا ومزاجنا وأهواءنا. من حيث الطقس والمناخ والتغيرات، تلوها المتغيرات المتداخلة على الفصول الأربعة.. والجهات الأربعة، والزمان والمكان.
إنها الأرض التي نقدس برَّها وبحرها وجوءها وسماءها. هي التي تدب عليهِ نعالنا في السعي، وآمالنا في الرزق، وحقنا في التوكل.
هي الوطن والمنفى، البذل والعطاء، السعادة والشقاء.
هي ساحة الصراع والتغيير التي تراق عليها الدماء.
هي شظايا الأجساد المتطايرة، والأرواح المتلاشية، وعرش الارتقاء.
هي تلك التي نحرث ونزرع، نجني ونحصد، نبني ونهدم، ونلوذ بالتلويح إنكارها بالسخاء!!
"هنا حيث تسكن أحرفي أُبارك الضوضاء".
بعضٌ مني ذاب هنا؛ فكان مزيجًا بالخيال لرسم خارطة الطبيعة. بين طيات المقال، كلوحةٍ إبداعية، تتسم بالفن والجمال الباهر.. مِما جاء بهِ النص.
صفوان القاضي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق