الجمعة، 27 أكتوبر 2023

بأسهم بينهم شديد/د محمد احمد شديفات مجلة روائع الشعر والنثر وفرسان الحرف

 بسم الله الرحمن الرحيم

قبس من نور

"... بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ..."

مازلنا مع آية 14 من سورة الحشر فقد بدأت بتقرير وإظهار حقائق جاء على ذكرها القرآن الكريم قد لا يفطن لها إنسان نوعا من النسيان...بعد هذا البيان القرآني المفصل وما يترتب عليه يتراءى للقارئ الكريم هذا التقييم الحكيم وهو خلاصة القول المراد :-

" لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا "

" إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ"

" أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ"

جاء القرآن لينتقل بالقارئ الكريم إلى النتيجة والهدف في تشخيص ما هم عليه حالهم ومآلهم  من الخوف والذعر والرعب والهلع والحرص الشديد ...الخ

بعد أن ذكرت الآية تلك الظواهر والحقائق وجلتها ظاهرة للعيان حتى يقتنع بها كل إنسان بالأشياء الملموسة المحسوسة، ينتقل القرآن  ليخبرأن هذه تلك صفاتهم أعلاه...

ثم جاء قول الحق "... بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ..." البأس الشدة والمنعة والغلبة والقهر والقوة والاستعداد هذا ما يظهر من حالهم أمام المسلمين والحقيقة خلاف ذلك كله وهذا ما ثبت فعلا فقد جاءت سورة الحشر حتى تعريهم وتخذلهم وتكشف ما خفي على الآخرين من الهوان والذلة والجبن...

فما لا يعلمه ولا يعرفه أحد جاء القرآن يكشفه ويفضحه ويتهكم بهم وهو أن "بأسهم بينهم شديد" فلا يغرك حالهم ففئة قليلة بإذن الله تعالى اكتسحت ديارهم وحصونهم وأسر جنودهم

تَصور لو كانت هذه الحقيقة جاءت في غير القرآن الكريم لا يصدقها إنسان" أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًامن عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا" آية 82 النساء،

ثم تصور لو حذفت كلمة بينهم من جملة "بأسهم شديد" لانتفى التناسق القرآني وأضطرب وفهم أنهم أشداء وأقوياء،

فقد جاءت كلمة "بينهم" كالقمر ليلة البدر تضيء أركان حالهم بأحسن بيان حتى يكون لدى المسلم اليقين التام أنهم  لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر فكيف يكونون أصحاب قوة ومنعة وهذه حالهم ؟

القرآن بعد التسلسل المذكور أعلاه وهو" لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ" آية 14 الحشر فكل كلمة جاءت وصف لحقيقة موجودة ، فمع كل ما ذكر من قرى محصنة وجدر ومساندة بعضهم لبعض في القتال جاءت الطامة الكبرى بأسهم بينهم شديد وقلوبهم شتى وهم قوم لا يعلمون

فتصوير الظالم بهذه الصورة  ليشفي صدور قوم مؤمنين وأن الله مع الحق المبين لكي يطمئن المظلوم أنه على الرغم مما يملك الظالم من قوة خارقة وشدة وبأس فهي صورة هزيلة ضعيفة، وأعطى القرآن للمظلوم معنوية عالية وهي عدم الخنوع والخضوع للظالم فتدميره يأتي من احتياطه وتدبيره ، وهكذا يغفل الظالمون عن العذاب الذي ينتظرهم من الله،

تقديم الدكتور أحمد محمد شديفات/ الأردن



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق