الثلاثاء، 24 أكتوبر 2023

لا يقاتلوكم جميعا/د محمد أحمد شديفات مجلة روائع الشعر والنثر وفرسان الحرف

 بسم الله الرحمن الرحيم

قبس من نور

"...لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا ..."

حقائق وظواهر جاءت في سورة الحشر  تحدث عنها القرآن الكريم بخصوص أهل الكتاب اليهود بالذات

قال الله تعالى :-

"لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا ...

إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ ...

أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ...

بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ...

تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا...

وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ...

ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ" آية (14)الحشر،

ترتيب الآيات القرآنية تأخذ بالألباب فكل عبارة تُظهر جانبا مخصوصا،

فقد جرت العادة عند العرب أن القتال يبدأ بالمنازلة والمجابهة وجها لوجه ،

قال شيبة وعتبة والوليد بن عتبة في غزوة بدر... يا محمد ، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا...

ولم تكتب كتب السيرة عن مواجهة حصلت ما بين المسلمين واليهود وجها لوجه ففي خيبر أعطي الراية علي بن أبي طالب فدخل عليهم في حصنهم ..

طبعا اليهود على خلاف الأمم فهم يعيشون جماعات محصنة ،وحتى  الآن في فلسطين يعيشون كذلك في كيبوتسات أي قرى محصنة عسكريا فكل قرية وحدة واحدة متكاملة تدافع وتحمي نفسها بذاتها وتحيط هذه الكيبوتسات بكافة مدن وقرى فلسطين ويمنع على العرب دخولها إلا في ظروف استثنائية ...

إذن قتال المواجهة لدى اليهود قد يكون غير وارد بسبب كونهم جبناء وحرصهم على الحياة بأي ثمن كان أن يُقتل منهم أحدا أو يؤخذ أسيرًا"وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ" آية 96 البقرى ...فهم دائما في وضع دفاع حتى سمي جيشهم جيش الدفاع ،

فلو خطر على بالك سؤال كيف لا يقاتلونكم جميعا، والذي يظهر لنا تماسكهم وتعاضدهم ودفاعهم...

فالجواب جاء في نفس الآية الكريمة:-

إِلَّا...

فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ

أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ"

قال الله تعالى "...فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً" 104 الإسراء، لفيفا: جميعاً مختلطين. أو منضماً بعضكم إلى بعض، هذا الخليط الغير متجانس سبب الفرقة وعدم الوحدة فهم من منابت شتى من أصقاع العالم كله فتجد اختلاف حتى للولاء لليهودية فالكثير ولائهم للصهيونية العالمية، التجميع يستلزم وجود قرى محصنة   فكل فئة مع بعضها مثلا يهود الفلاشا مع بعض، واليهود المغاربة مع بعض، واليهود المشارقة كذلك واليهود الأوروبيين مع بعض والروس...الخ فالتجميع دليل عدم ثقة بعضهم ببعض، وهذا هو المنطق الذي ذكرته الآية فلو تقاتلوا مع غيرهم لفشلوا ،فهذه من الظواهر التي طرحها القرآن الكريم والواقع المؤلم لليهود ففي حربهم هذه  يتحاشى جيشهم الحرب البرية على الرغم من وضعهم الخطط والإعدادات لها، خوفا من المواجهة وما يتبعها من خسارة وأسر لجنودهم وهذا ما صرح به قادتهم فتراجعوا... طبعا "...إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ الله وَحَبْلٍ مِّنَ الناس..." إذا دخلوا بذمة الإسلام أو قدم لهم المعونة أعوانهم كما حاصل اليوم...

إذن المواجهة غير واردة ،وحتى على فرض حصولها ،فأن نتيجتها معروفة تستلزم سلفا مبدأ... يَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وهم يتحاشون هذا المبدأ، وهدفهم يَقْتُلُونَ وَلا يُقْتَلُونَ وهذا مستحيل من منظور قتالي ...

وفي اعتقادي أصبحت الصورة جلية وواضحة أنهم لا يقاتلونكم جميعا...

ففكرة قرى محصنة ديدنهم وقد ذكر ذلك القرآن من زمان "...مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم..." وآية أخرى "... وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ ..."أي حصونهم ،فهذه الكيبوتسات عبارة عن وحدة عسكرية وقلاع محمية تتوسع حسب معطيات الفرص، ولم يكتف اليهود بالقرى المحصنة فقط، وزاد حرصهم ببناء الجدر وعندها سنلتقي بمشيئة الله على أبواب جدرهم في مقال آخر..

تقديم الدكتور أحمد محمد شديفات/ الأردن



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق