الخميس، 12 ديسمبر 2024

قبس من نور/د احمد محمد شديفات مجلة روائع الشعر والنثر وفرسان الحرف

 بسم الله الرحمن الرحيم

قبس من نور

"...رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ..."

هذا الاختيار والطلب هو تعليم وتوجيه  وتربية  من امرأة فرعون آسيا بنت مزاحم لكل من ضاقت به سبل الحياة على وجه الأرض وأحاطت به المصاعب والمتاعب والإجحاف والظلم والقهر ولم يعد له من نصرة من البشر وقد أستنفذ كافة السبل المتاحة له ولم يعد له حيلة إلا الانتقال وطلب هجران الأرض وأهلها وما عليها والاستغناء عن الجميع والتوجه لله رب العالمين...

مثال هذه المرأة الصالحة التي ضحت من أجل حريتها ومعتقدها تاركه وراءها متاع جميل متحدية أقوى وأعتى رجل عرفه التاريخ حتى يومنا هذا "فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ"24 النازعات "وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ 51 الزخرف ، ورغم هذا كله نفضت يدها منه ومن قصوره وتنازلت عن رفاهيتها دون خوف أو وجل، وكلها أمل وثقة مطلقة أن تتحقق رغبتها وطلبها وهي على يقين أن الله يملك كل شيء إيمانا منها أن الله عون لكل المظلومين إلى يوم الدين...

قال الله تعالى "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ"11 التحريم

رمزية هذا المثال صورة حية باقية وطريق نهايته إلى الله رسمها القرآن الكريم طالما هنالك صراع قائم بين الحق والباطل، فهو دليل عدم الرضا ولو كانت في قصور منيفة تنقصها حرية الاعتقاد ويسودها الاستعباد ...

دعاني هذا النداء الموجه من هذه المرأة الصالحة ثقتها المطلقة بعدالة رب السموات والأرض، وغريب طلبها الذي لم يسبق له مثيل "رب ابن لي عندك بيتا في الجنة..."في العرف الاجتماعي البيت هو مكان هو مكان البيتوتة والنوم والاستقرار الذي يأوي اليه الإنسان ويطمئن فيه هو وأسرته ويأخذ كامل راحته دون تدخل من أحد أو إزعاجه أو خوفه، الحديث "من أصبحَ معافًى في بدنِه آمنًا في سِربِه – بيته - عندَه قوتُ يومِه فَكأنَّما حيزت لَهُ الدُّنيا بحذافيرِها"

والإعجاز في الطلب بيتا خاصا لي معروفا باسمي دون غيري كما أن الأيمان بالله هو كذلك أمر معروف بداهة لا يخالطه شك أنه قادرة على ذلك ،

وها هو النداء يتكرر  في غزة ليس من شخص واحد ولكن أمة غلبت على أمرها ولم يعد لها منقذ أو معين من أهل الأرض قاطبة تكالبت عليها قوى الضلالة والظلم والبهتان حتى لم يبقى لهم في الأرض مأوى أو مكان يلجأ اليه اللاجئون من لهيب قذائف حمم الموت والدمار والهدم والردم والقتل والأسر حتى تعطلت كافة مرافق الحياة من مستشفيات ومصحات وأسواق ومدارس وجامعات وسيارات وطرق وتم تشريدهم من مكان لآخر في كامل بقاع القطاع الذي لم يبقى فيه أمان أو استقرار وإنما ترحيل وإبادة جماعية وحرق لكل شيء حتى التراب ....

كان التوجه والرحيل الأخير طلب النزوح إلى الجنة حيث بر الأمان والاطمئنان وبث الشكوى إلى الله فالجنة هي الملاذ الأخير حيث الاستقرار الأبدي تحت رعاية الله ولطفه وعدالته وقهره للظالمين....

فحتى الأطفال تعلموا ذلك الدرس والبيان والمثال من واقع الحال ومآل من ظلم وهوان حتى قال قائلهم - سأخبر الله بكل شيء – ثقته بالله أنه سيرفع كامل مظلمته  رب العالمين فيا ويل الظالمين المجرمين من العقاب الأليم، فالله يسمع ذلك الأنين ووجع وألم المعذبين

"قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوۡجِهَا وَتَشۡتَكِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسۡمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ" 1 المجادلة...فالله سميع بصير لا تخفى عليه خافية

ليس بعيدا عن السياق أن كل من ينشد الحرية ويطلب تحقيق أحلامه قبل فوات العمر كله أو جله بين جلاد وحقير حتى أضحى كلام  الحفناوي مثالا يحتذى-هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية – أسفي على أيام مضت بكَلْكَلِها وعَلِيلاَتٌها وضاع عمر الأمة العربية والإسلامية دون جدوى هباء منثورا...

تقديم الدكتور أحمد محمد شديفات / الأردن


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق