الخميس، 19 ديسمبر 2024

قبس من نور/د احمد محمد شديفات مجلة روائع الشعر والنثر وفرسان الحرف

 بسم الله الرحمن الرحيم

قبس من نور

"... قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ..."

هذه التساؤلات القرآنية التي حصلت من فئات بشرية في ظروف استثنائية وردت في ثلاث سور البقرة والكهف والمؤمنون وقد تخص أناس بذاتهم وطرحت هذه التساؤلات فيما بينهم بعد مرور فترة زمنية لا يعلمها إلا الله عن غيابهم عن الحياة الدنيا بأمر الله عز وجل...

فالحياة هي عبارة عن برهة أو لحظة أو طرفة عين أو فترة زمنية قصيرة أو ساعة من الوقت وتنتهي بالإنسان بهذه السرعة كأن لم يكن،

ورغم حلاوة الحياة الدنيا وجمالها لا تساوي شيئا مع منغصاتها

إنّ حزناً في ساعة الموت .. أضعاف سرورٍ في ساعة الميلادِ.

ما حدث قبل أيام من حوادث عاشها أناس أو شعب كامل من خلال ما مكثوا في أتُون السجون السورية وأوضاعهم قصة مؤلمة وموجعة وبشعة ومريرة زنازين مظلمة رطبة موحشة تحت ضرب السياط والإهانة والحرق والقتل وجميع أنواع العذاب  حتى أنطبق عليهم المثال- ينسيه حليب أمه لابل نسي أمه كلها بالذات وبلده الذي نشأ وترعرع فيه وبقيت هياكل عظمية ووجوه مصفرة وقوى خائرة وحركة بطيئة واهنة مرضى  فقدوا حتى الذاكرة ولم يعدوا يعرفون الزمان والمكان ولا كيفية هي حياة الإنسان يعيشون في ماض سحيق كله تعذيب وإرهاب تكميم الأفواه

هذا فعل زمرة الجَلاوِزَة الذين يشكلون مع بعضهم البعض حلقة متصلة المصلحة والمنفعة  من أجل خدمة الجِلَّوز الخائن الأول الذي يغدق عليهم المناصب والأموال فهم وحوش بشرية ضارية وكلاب مسعورة مدربة على الأذى والانتقام لا ترحم أحدا...

"وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ"39 القصص

ومن أطرف القصص التي عشتها مع الانقلاب السوري في شهر تشرين الثاني من القرن الماضي 1970 بما سمي الحركة التصحيحية فقد كنت طالبا في إحدى الثانويات في مدينة دمشق وقد أخرج الطلاب من المدرسة حول الف طالب باتجاه ساحة الأمويين اليوم وذلك احتجاجا على الانقلاب الفاشي وسرنا مسافة ليست ببعيدة وإذا بالأمن العسكري يعيدنا إلى مدرستنا ويمنعنا من إتمام المسيرة ، ثم في اليوم التالي خرجنا نفس العدد أو يزيد مؤيدين للحركة التصحيحية بكل فرحة وسرور...

يا ريت بقيت الفرحة فرحة وإنما أَدَارَ لَهُم ظَهْرَ الْمِجَنِّ وزج بهم في السجون كل من يرفع رأسه مناديا الحرية فكانت تلك حقبة سوداء مظلمة إلى الأبد في تاريخ سورية الأبية ، ولأجل هذا بنيت السجون تحت الأرض وفوقها ودمرت حماة وأهلها وسلمت سوريا لقمة ساغت إلى كل عدو لدود وهجر أهل البلاد من أجل تغير ديمغرافية الوطن والمواطن وأعطيت هويته للمرتزقة الذين عثوا في البلاد فسادا ...

كلنا قد شاهد وعاين أؤلئك الذين خرجوا للتو من سجن صيدنايا وغيره  ومقابر جماعية وأناس مكثوا سنين في السجون ومنهم من مات تحت وطأة التعذيب وانتهكت الاعراض الأحرار السوريات، حتى الأطفال سجنوا فهذا طفل صغير يقول لأمه بعد ساعتين من خروجهما من المعتقل ماما متى نعود إلى بيتنا "يقصد السجن" فالهواء في الخارج كثير، فقد قضى مولده ونشأته ومرضعه في أحضان السجان اللعين...

وتلكموا فتاة التسعة عشرة ربيعا دخلت السجن بكرا دون ذنب انتقاما من أخيها الهارب المطلوب وخرجت ومعها طفلين من السفاحين الذين ليس لهم ملة أو دين الذي وصفهم رب العالمين "وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا"112 النساء

وقائع وفضائح ومآسي يندى لها جبين البشرية جمعاء حتى البعض لشناعتها لا يستطع سماعها أو رؤيتها أو يتكلم بها أو يلفظها، هؤلاء الجلاوزة بدون عواطف أو قلوب أو مشاعر وأحاسيس كيف يا ترى يعيشون مع نسائهم وبناتهم وأولادهم وأخواتهم وأمهاتهم فعلا "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ"179 الأعراف

تقديم الدكتور أحمد محمد شديفات/ الأردن


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق