السبت، 20 يناير 2024

قبس من نور/د احمد محمد شديفات مجلة روائع الشعر والنثر وفرسان الحرف

 بسم الله الرحمن الرحيم

قبس من نور

"... حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ..."

صورة مؤلمة جدا وموجعة تلك مصائب الحروب في حياة البشر، ومع هذا عدل القرآن الكريم في الآية إلى المجاز وتحميل أوزار الحروب للحرب ذاتها مع أن المسبب هم البشر بالذات...

هذه الجزئية الكريمة وردت في آية 4 من سورة محمد صلى الله عليه وسلم ، فالحروب قد تكون حاجة ضرورية وملحة رغم قساوتها "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ..." 216 البقرة....

أوزار الحروب وآلاتها وثقلها بصفة عامة مدمرة للإنسان وحضارته، يعقب ذلك المآسي والمَخَازِي والعاهات بعد أن تضع الحرب تلك الأوزار فتتجسد في صورة إنسان متهالك أشعث أغبر مشوه يعيش بين الركام يصحو وينام بحالة نفسية غير مستقرة او عاهة مستديمة هذا قطعة يده وتلك  رجله وذاك قلعت عينه وهذا جرح غائر في جسده ومجنون تلاحقه أشباح المعارك وأزيز الرصاص والطائرات والقنص والقتل والهدم كل هذه أوزار ويلات الحروب ظلما وعدوانا

أوزارا تنتهك فيها كافة الحرمات من هتك الأعراض وقتل الأبرياء من الأطفال والنساء والمستضعفين  ...

فعلا أنها أيام الحروب القذرة الآن التي لا تراعي ضوابط ومراعاة لما شرع له القتال، فما معنى تخفيف حدة قتل الأبرياء من المدنيين

قال الله تعالى:-{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ..."39 الحج

ومن وصاياه صلى الله عليه وسلم ... في «الحروب» قوله«لا تقطعوا شجرة.. وألا تقتلوا امرأة ولا صبيا ولا وليدا ولا شيخا كبيرا ولا مريضا.. لا تمثلوا بالجثث.. ولا تسرفوا فى القتل.. ولا تهدموا معبدا ولا تخربوا بناء عامرا.. ولا تذبح بقرة إلا لحاجة»

أمام جائحة هذه الأوزار وقف فقهاء الإسلام وقفت تأمل وتوضيح وبيان ومن أعظم من كتب في هذا الباب الأمام محمد بن الحسن الشيباني من تلاميذ الإمام أبي حنيفة عليهما من الله الرحمة،

ويعد الإمام محمد بن الحسن الشيباني في السير الكبير والصغير واضع أحكام القانون الدولي في الإسلام في حالة الحرب والسلم الدوليين، تعرض فيه لأحكام الأُسَارَى. وإسلام المشركين، والأمان، والرُّسل الذين يَفِدُون إلى دار الإسلام من دار الحرب والحصانات التي لهم، والغنائم والصُّلح والتحكيم، والمعاهدات ونقضها، وجرائم الحروب...

ولو استعرضت أوزار حرب اليوم في غزة وعموم فلسطين فعلا لم يسبق لها وصيف ولا مثيل إلا في الحروب الصليبية في ثقلها وصعوبتها وبشاعتها وخلل التوازن وعدم التكافؤ مما زاد عبء الحمل أضعافا مضاعفة على كاهل فلسطين وأهلها فلا يملكون من مقومات التكنولوجيا الحديثة في مجال الحروب إلا القليل بسبب الحصار وعدم مد يد العون من أقرب الأقرباء المتفرج أو المبغض لهم حقدا وحسدا...على خلاف عدوهم فقد شاركت معه دولا عظمى ذات قدرات حربية مميزة وترسانات أسلحة فتاكة جعلت كلها تحت تصرفه وقدم له خططا واستشارات من خبراء عسكريين ومشاركة مرتزقة ولفيف كثير دون حساب ولا سابق عقاب...

أوزار هذه الحرب في غزة دمرت أكثر من 85% من الممتلكات والمنشآت السكنية والطرق والمواصلات وشبكات المياه والمخابز وجميع مرافق الحياة من مدارس وجامعات ومستشفيات ومساجد وكنائس وعطلت كامل الحياة...

أوزار هذه الحرب قضت على حياة أسر كثيرة ومسحتها من الوجود ولم يبقي لها أثر، خلفت أوزارها فقد الآباء والأمهات والأخوة والأخوات فكل أسرة فقد لها عزيز، وأطفال حرموا الحياة بدون ذنب...

أوزار كثير لا تحصى ولا تعد حمّل أهل غزة مرارة الهجرة من ديارهم لا إلى مكان معين تحت وطئت القتل بالطائرات الحربية والقنص والتجويع والفقر والمرض والعطش ونقصان أبسط أنواع الحياة تحت خيام ممزقة ...

كله هذا كذبا غير مبرر في الدفاع عن النفس من عدو لدود لا يراعي ذمة ولا خلق فقد أحتل البلاد وأهلك العباد وشرد أهلها وأستولى على الأرض وفرض القوة الغاشمة عليهم بدون وجه حق...

قال الله تعالى "وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد"8 البروج

وأختم بدعاء الرسول محمد عليه وسلم عندما تخلى عنه القريب وقسَا عليه العدو عندها لجأ إلى الله " اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، أنت أرحم الراحمين  إلى من تكلني ، إلى عدو يتجهمني ، أو إلى قريب ملكته أمري ، إن لم تكن غضبان علي فلا أبالي ، غير أن عافيتك أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن تنزل بي غضبك ، أو تحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك )

تقديم الدكتور أحمد محمد شديفات/ الأردن


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق