الجمعة، 12 يناير 2024

قبس من نور/بقلم د احمد محمد شديفات مجلة روائع الشعر والنثر وفرسان الحرف

 بسم الله الرحمن الرحيم

قبس من نور

"... كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ..."

هذه الجزئية الكريمة من سورة البقرة آية249  ذكر فيها نخبة مميزة مختارة من الأمة نذرت نفسها لله تعالى لإعلاء كلمة الحق دون غيرها وهي شهادة إن لا إله إلا الله محمد رسول الله.

هذه الفئة المذكورة مجموعة قليلة من أفراد الأمة تكاتفت وتعاونت من أجل الدفاع عن حياض الأمة في دينها وعرضها وأرضها وحماية هويتها ...

هذه الفئة الموسومة الموصوفة بالقلة ليست كأي فئة أخرى وإنما كتلة واحدة تعبت ودربت نفسها على تحمل الصبر والصعاب في سبيل الله مسلكا وطريقا وتربية والتزاما وحياة وعملا وتنفيذا

هذه الفئة رغم قلة أفرادها فهي كالبنيان المرصوص طاعة وتعاونا وبذلا وتفانيا وإيثارا وتضحية لا تبخل بشيء قادرة على فعله من أجل دينها وأمتها...

هذه الفئة في معية الله سلوكا وتطبيقا تأتمر بأمر الله وتعمل وفق سنة رسول الله لا يضيرها من خالفها طالما هي على الطريق المستقيم ولا تستعين إلا بالله...

القرآن الكريم هكذا يربي الأجيال جيلا بعد جيل فجاء بكلمة "كم" الخبرية وليست الاستفهامية يخبرنا بتكرار نسخة عن هذه الفئة في كل جيل من أجيال الأمة كلما دعت الحاجة لها فهي موجودة بقوتها وثباتها وسلوكياتها،

هذه الفئة هي بشرى ولفتة كريمة أن يخرج من صلب ورحم هذه الأمة فئة مؤمنة قادرة بعون الله على تنفيذ مراد الله وتبليغ رسالته وحماية العقيدة ومكتسبات الأمة...

هذه الفئة القليلة تسلحت بالإيمان وطاعة الرحمن في ظل كنفه ورعايته ومعيته وحمايته وعنايته فلا يخيفها كثرة ومنعة وسلاح وقوة وشراسة عدوها وأعوانه

"إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى"13 الكهف

إذن الغلبة والمؤازرة والنصر والتأييد بيد الله وعونه الذي يرسل ملائكته ثبتوا الذين آمنوا ... " إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ"12 الأنفال ...

النصر المبين يأتي عندما تستنفذ هذه الفئة المؤمنة الصابرة كل ما لديها ولا تظهر حاجتها إلا لله وبه تستغيث عندها يأتيها مدد رب العالمين أن الله يدافع عن الذين آمنوا  "إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ"9 الأنفال

كل ما يمر بهذه الفئة المؤمنة من ظروف صعبة هي اختبار وابتلاء وامتحان ثمنه غالي هذا ما تراه في الواقع الآن ليس في عالم الخيال "إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ،هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا" 11،10 الأحزاب  نفوس مطمئنة راضية بما رتب الله لها من قدر ...

ثم تأتي الخاتمة ثمرة النصر بالثبات أن كل ما حصل  ليعذب الله الذين كفروا "سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ"45 القمر ،فالمجاهد الصابر هو الذي ضحى بكل ما يملك من أجل الرفعة ودحر العدو ومواقفه المشرفة وعدم خيانته لأمته ودينه...

عندها تعلم "لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِوَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا"95 النساء

تقديم الدكتور أحمد محمد شديفات/ الأردن


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق