السبت، 2 ديسمبر 2023

ويتخذ منكم شهداء/د احمد محمد شديفات مجلة روائع الشعر والنثر وفرسان الحرف

 بسم الله الرحمن الرحيم

قبس من نور

"... وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ..."

هذه الجزئية وردت في سورة آل عمران مطولة تبعتها آية أخرى حتى أكتمل المعنى المراد

"إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ

وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ

وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ

وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، آية 140

وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ"141

الآيتان ورد فيهما كلمات نأتي على معانيهما  للوصول إلى مقصدنا " وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ"

مناسبة نزول الآيات الكريمة غزوة أحد والكل يعرف ما أصاب المسلمين فيها عندما خالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم....

التعبير الوارد في كلمة يمسسكم  أي يصيبكم تضمنت معنيان بالفتح يقصد الجرح وبالضم ألمه وقيل هو القتل أو الجرح وأين كان ذلك فهو إصابة بالغة في أحدهما الجسد بالجروح أو سلب الروح ...

القرح قيل ليس على حقيقته الجرح وإنما استعارة المراد بها الهزيمة والانكسار الذي يلحق بالجيش لأن الجرح بالذات لا يؤثر على عزيمة الجيش ككل، والإصابة  تكون عادة لدى الجانبين الملتحمين والهزيمة تكون لأحدهما والله أعلم وأجل وأكرم .

تلك الأيام نداولها بين الناس:- من المحال أن تبقى الدنيا على حال دون مآل، يوم لك ويوم عليك هكذا هي السنن كونية، وجعلت الأيام شبيه بالعملة المتداولة يوم بيدك ويوم آخر بيد غيرك ، إذن لا تركن للأيام والأسباب كالقوة والعدة والعتاد ها أنت ترى أن النصر بيد الله فيهزم الضعيف القوي على الرغم من كثرة أعوانه وعنفوانه.

وليمحص ..." يختبر الذين آمنوا، حتى يخلِّصهم بالبلاء الذي نـزل بهم، وكيف صَبْرهم ويقينُهم.

الآن نأتي على قوله تعالى"... وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ..."

الشهادة واقعة في علم الله قد هيأها الله للذين آمنوا، كثير من الناس يقيس الأمور الربانية بالمقاييس البشرية فيقع في خطأ فادح لأن تلك الأمور الربانية خارج علمه وفهمه وإدراكه ...

قال الله تعالى" وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا " النساء آية69

موضوع الشهادة اختيار واختبار رباني وتمحيص بين مخلصين لله مطعين ثم بعد الامتحان يتخذ المولى عزوجل من المؤمنين شهداء أهل لها ولهم درجات ومكانة فيكونوا مع الذين أنعم الله عليهم من الأنبياء الصديقين والشهداء والصالحين رفقة حسنة طيبة إذن لا يجالس الشرفاء إلا الشريف العفيف النظيف العقيدة فدرجة الشهيد رفيعة بشهادته نصرة لدينه وأحقاق الحق

إذن الشهادة ليست بالأمر الهين اللين إنما اختيار واختبار وتمحيص وامتحان وابتلاء لكي نعلم المجاهدين الصابرين وأخبارهم وسيرتهم الذاتية التي أثبتوا فيها إخلاصهم لله,

قال الله تعالى" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ " محمد آية 31.

ومن الشواهد على الإخلاص قال شهيد مؤتة عبدالله بن رواحه رضي الله عنه يا قوم والله إن التي تكرهون لَلَّتِي خرجتم تطلبون، الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة "

فالشهادة لا تتأتى بكثرة صلاة وصيام وزكاة وحج فهذه كلها أعمال تعود عليك بالنفع الخاص والالتزام بشرع الله ،إلا أن للشهادة مكانة ومركز عالي عند الله،

قال الله تعالى "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ" 169 آل عمران

الحديث عنه صلى الله عليه وسلم "...إلَّا رَجلٌ خرجَ بنفسِهِ ومالِهِ ، فلم يرجِعْ من ذلِكَ بشيءٍ" فالتضحية بذل النفس والمال من أجل نصرة الدين وهذه أمنية عبدالله بن رواحه رضي الله عنه:-

لَكِنَّنِي أسْألُ الرَّحْمَنَ مَغْفِرَةً... وضَرْبَةً ذاتَ فَرْغٍ تَقْذِفُ الزَّبَدا

أوْ طَعْنَةً بِيَدَيْ حَرّانَ مُجْهِزَةً... بِحَرْبَةٍ تُنْفِذُ الأحْشاءَ والكَبِدا

حَتّى يُقالَ إذا مَرُّوا عَلى جَدَثِي ... يا أرْشَدَ اللَّهُ مِن غازٍ وقَدْ رَشَدا

أمنية عظيمة فقد سأل الرحمن المغفرة ، ثم علاه فارس بضربة يقذف من جوفها بها الزبدا

أو طعنة بيد متعطش للقتل بحربة تنفذ أي من الأحشاء والكبد معا ,هذه هي الشهادة لمن عايشها وتشرف ونالها ، اللهم أكتبها لنا وللمسلمين في سبيل الله ،

تقديم الدكتور أحمد محمد شديفات/ الأردن



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق