بسم الله الرحمن الرحيم
قبس من نور
(لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ)
تقديم الدكتور أحمد محمد شديفات / الأردن
من خلال ما يعرض على شبكات التواصل ،شاهدت استفتاء على اللغة العربية وتأخر تأثيرها ونطقها على الجيل الجديد والقادم؟
وقد كانت أطروحات من هذا القبيل وقد ذُكر المحاور ومناظريه عدت أسباب بين مؤيد ومعارض كالعادة، إلا انني لي وجهة نظر لم يتطرقوا له في وجهات نظرهم،
فأقول :- اللغة العربية هي وعاء القرآن الكريم ومهمتها تبليغ الرسالة الإسلامية لكافة البشر فقد تجد غير العربي يجيد قراءة القرآن بلغة عربية وأحرف فصيحة يعجز عنها كثير من العرب وقد تجد الكثير من الحفاظ للقرآن الكريم من غير العرب وهذه حقيقة وظاهرة سلبية محسوبة ومحسومة
مع أن الحافظ المسلم قد لا يعرف معانيها ومع هذا فهو وعاء حفظ ولها مكانتها في نفسه،.
فاللغة العربية بستان وجنان تحوي كل الثمار ومن جميع الألوان طعمه مختلف ما بين لسان ولسان ويجلبك نحوها تجويد وترتيل القرآن يحرك مشاعر وقلوب المؤمنين ,,,
فتجد الكلمة تأتي بين رفع وخفض ونصب وهي هي تعطيك أجود الألفاظ والمعاني مع اختلاف المباني فتكون أحلى مضمون وفحوى ودلالة تأخذ بالألباب ...
وهي محفوظة كذلك بحفظ الله للقرآن الكريم (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) رغم ما مر بالأمة بين مد وجز
فاللغة العربية حفظت بحفظ القرآن وزيادة وتشجيعا واستثمارا لك في ذلك بتلاوة كل حرف في القرآن أجر وثواب على خلاف أي لغة من اللغات الأخرى، ولها الفخر أن تنتسب إلى القرآن وبها نزل(بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ)
إذن التقصير واضح من عجز المسلمين وضعف دولتهم وسيادتهم وبعدهم عن الدين...
(وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)
فالهجر هو الترك والنتيجة الضعف في البيان والإيمان، فاللغة كائن حي تحيا على ألسنة محبيها وتتجلى في معانيها .
واللغة العربية هي لغة الأعجاز جاءت على الألسنة أرباب اللغة ، فهذا الوليد بن المغيرة كان من أحد حكماء اللغة العربية ويطلق عليه ريحانتهم والد سيدنا خالد رضي الله عن خالد ،
قال عندما سمع القرآن سمعت كلام ليس من كلام الجن ولا البشر والله أن له لحلاوة وأن عليه لطلاوة وأن أعلاه لمثمر وإن أدناه لمغدق وأنه يعلو وما يعلى عليه...
شهادة أحد المشركين صاحب لسان مبين ، إلا أنه عندما أعيته الحيلة ولامه قومه وبالذات أبو جهل،
جاء القرآن الكريم فوبخه ولعنه على إنكاره وزيفه وإعراضه "إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ" ماذا كان تقديره "فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ" كذب نفسه بنفسه، ودليل كذبه "إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ" المدثر 18،25 وقد تحداهم القرآن أن يأتوا بآية من مثله....
وهل تعلم عزيزي القارئ أن جميع اللغات ستتلاشى وتنتهي إلا اللغة العربية، تصور معي على مستوانا البسيط أن اللهجات العامية على الرغم من المناداة بها فقد فشلت وتلاشت وانتهى منها الكثير،
حتى تجد من العيب أن يتكلم علية القوم بالعامية ونقيصة بتلفيق عربي مع أجنبي مخلوط مضحك غير مفهوم،
وقس على ذلك اللغات الأجنبية، فاللغة الفرنسية الحديثة بدأت بثوبها الجديد بعد القرن التاسع عشر بعد الثورة الفرنسية... أما ما قبل ذلك فقد اندثرت وانتثرت واللغة الإنكليزية فقد فقدت كثيرا من مصطلحاتها ومفرداتها؟
أما اللغة العربية فهي باقية لا تتغير ولا تتبدل فهي تنمو وتحيا وتعيش مع الإنسان فهي كائن حي نابض بالحياة والرقي...
خذ مثال كلمة الله أول حرف من الكلمة لا يوجد ولا يُنطق في أي لغة إلا في اللغة العربية ويسموه الحرف الملكي مميز والدليل على ذلك مخارج حروفها وصفاتها المحددة بدقة متناهية ،
فهي لغة الضاد فمن الصعب نطق هذا الحرف إلا لمن صح وتمرس على نطقها وهذه بعض أسرارها التي اودعها فيها رب العالمين ...
وللعلم أنه من سنتين تقريبا بدأ الأرشيف الأمريكي والبريطاني يكتب باللغة العربية إلا بعض الاستثناءات لأنهم وجدوا أن اللغة العربية هي اللغة الباقية التي لا تتغير ولغتهم تتغير وتتبدل وتتلاشى ، ولو أخذت اللغة الإنكليزية يقال أن عمرها ستمائة سنة تقريبا،
إذن اللغة العربية هي اللغة الأم الأقدم والأجدر والتي تتقدم على اللغات الأخريات وباقية وهذا شرف لها ولرسالتها رسالة الإسلام ليتم تبليغها ونشرها ،
ويأتي ترتيبها الأول إلا أن أهلها قصروا في حقها والباقين غمزوا في قناتها ومع هذا في كل أصقاع الدنيا لها قدسيتها ومكانتها لأنها لغة القرآن الكريم لها كل تقدير واحترام ومباركة،
يقول" جون فرن" عن اللغة العربية إنها لغة المستقبل ،ولا شك أنه يموت غيرها، وتبقى حية حتى يرفع القرآن"
ولا يمانع الإسلام من تعلم لغة الآخرين ،
قال زيد بن ثابت : ( أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتعلمت له كتاب يهود وقال : إني والله ما آمن يهود على كتابي ، فتعلمته ، فلم يمر بي إلا نصف شهر حتى حذقته فكنت أكتب له إذا كتب )
إهمال اللغة العربية ضياع أمة وأجيالها وثقافتها وتاريخها وكل مقوماتها، ومن العجيب الغريب أن اللغة العربية هي التي تحافظ على مكانتها وقوتها وانتشارها وسعة رقعتها وبهذا هي من تحافظ على أهلها وليس بالعكس
وأما تفضيل اللغات الأخرى عليها وأنها لغة العصر والعلم والتعلم ..بدأ يتكشف كذبا وزرا وبهتانا ذلك، ففي زمن الدولة العباسية في بغداد بلغت العصر الذهبي في بيت الحكمة زمن هارون الرشيد وهذا شاهد على ذلك فبها ومنها وعليها فقد استوعبت كافة العلوم السابقة وهضمتها وأخرجت منها حضارة تشهد لها إلى يومنا هذا لا ينكرها إلا نكرة، فكيف لا تستوعب علوم هذا الزمان؟
قال شاعر العربية حافظ ابراهيم رحمه الله :-
وَسِعْتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةً وَما ضِقْتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظات
فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ وَتَنسيقِ أَسْماءٍ لِمُختَرَعات
لغتنا الجميلة استوعبت كافة علوم الأمم وزادت عليها وأبدعت فيها في جميع المجالات والفنون والتكنولوجيا والاختراعات وزاد عدد العلماء زيادة ملفتة للنظر ومازالت اسماء علماءها في كل فن تتردد كسَمفونيّة باقية على مدى الدهر أعلام ورايات في اللغة وما حوت ...
إذن التقصير من أهل اللغة العربية ليس إلا، ولو ذهبت لإحصاء ما يرصد لعمليات الاحتفال والاحتفاء بها ولها لا يساوي شيئا لدى المنتسبين اليها يوم عالمي أقل من العادي...
إن كنا فعلا نريد نحيا حياتها وسر وجودها علينا بالرجوع إلى منبعها الصافي العذب "القرآن الكريم" نتعلمه ونعلم أولادنا وأسرنا ومجتمعاتنا ونفعله في حياتنا وممارساتنا اليومية العلمية والأخلاقية ...
قال الله تعالى لرسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم "وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)القلم، وقالت السيدة عائشة "كان خُلُقُه القُرآنَ"
انظر كم يتم الصرف والإسراف وما يرصد لشراء يخت عائم أو ملعب كرة سلة أو إسطبلات خيول أو حديقة نمور أيهما أفضل؟؟؟
لك أن تتصور كيف يحصل التفريط في الحفاظ على اللغة العربية أو الاهتمام بها ثم نتبجح ونعض بنواجذنا على حرف من كل لغة أخرى حتى نظهر بمظهر طبل أجْوَفُ وجلد أَخْيَف....والله المستعان على ما تصفون.
تقديم الدكتور أحمد محمد شديفات/ الأردن