الخميس، 22 يونيو 2023

الحزبية نار حمراء/بقلم أشرف عبد القادر العقاد مجلة روائع الشعر والنثر وفرسان الحرف

 الحزبية نار حمراء #_٠_قصة قصيرة

♤♤♤♤♤♤♤♤♤♤♤♤♤♤♤♤

يحكى أن في قرية صغيرة، كان يوجد بيتين متجاورين بُنيا بين حقول القرية الممتدة؛ البيت الأول: يسكنه محمود مع أسرته ويعمل مهندس معماري؛ أما البيت الآخر يسكنه إسماعيل مع أسرته ويعمل في التجارة، وكان يفصل بين البيتين سياج وبضعة أمتار من الأرض تنمو عليها شجيرات فاكهة في كلا الجانبين، 

  ربطتهما علاقة احترام متبادل بحكم الجيرة فقط وكانا يطبقا المثل القائل: - صباح الخير يا جاري إنت في حالك وأنا في حالي - كل هذا بسبب السياسة والانتماءات السياسية  الحزبية، نعم إنها الحزبية التي  أثّرت على العلاقات الاجتماعية، ونشرت أجواء من التوتر في كل مكان؛ فأحدثت فيها فجوات وشروخاً على صعيد علاقات الجيران، والأقارب، وزملاء العمل، الكارثة أنها أثرت على  العلاقة بين الآباء والأبناء وبين الأخوة، فالآباء جحدوا أبنائهم، والأبناء ما عادوا يحترمون آبائهم.

هذا ما وصل به الحال بين الجارين محمود وإسماعيل ، كل منهما ينتمي إلى تنظيم مًغاير، كانا  يعيشا مع أسرتيهما ولا يختلطا مع بعضهما إلا في المناسبات.

  في أحد الأيام؛ راحت عائلة محمود في زيارة إلى بيت الجد الذي يقع في قرية  أُخرى ليست بعيدة، وبقي محمود وحده في البيت ليكمل بعض الأعمال ثم بعد ذلك يلحق بهم، في ظهيرة اليوم التالي، شعر محمود بالجوع  فقرر أن يصنع له طعام، وضع مقلاة على النار وملئها بالزيت، أخرج من الثلاجة عجينة من الفلافل وأحضر القالب وبدأ يخلط عجينة الفلافل بقليل من الماء، ولم ينسى كربونات الصوديوم التي تجعل الفلافل منتفخ، رن جرس هاتف محمود  فخرج مُسرعًا إلى غرفتة وترك النار مشتعلة تحت المقلاة التي صارت تسخن رويدا رويدا؛  انهمك محود في مكالمة  مهمة مع مُدير الشركة التي يعمل بها الذي أبلغه عن تجاوز في العمل من قبل مقاول البناء؛  لقد تعدي بالبناء على الشارع بضعة سنتيمترات، البلدية من جهتهِا أرسلت للشركة رسالة طالبتها بوقف البناء في الموقع فوراً ومراجعة قسم البناء في البلدية، طلب المُدير من المهندس محمود إرسال بعض الملفات  المهة، أنهى محمود المكالمة وانتقل إلى جهاز الحاسوب وصار يفتش على الملفات  ونسيَّ الزيت الذي سخن وسخن حتى  انتقلت النار من قعر المقلاة إلى قلب المقلاة  واشتعل الزيت داخل  المقلاة  محدثاً شُعلة  مرتفعة حركها الهواء في كل الإتجاهات سببت حرارة شديدة في أرجاء المطبخ جعلت خرطوم الغاز ينفجر وينقطع فصار يتلوى كالحية وينثر من طرفه نار،  انتشر دخان أسود كثيف  في كل أرجاء المنزل الصغير إلى أن وصل إلى غرفة  محمود حينها تنبه وصرخ يا الله نسيت المقلاة يبدو أنها اشتعلت، وخرج مسرعا ليتفاجأ أن النار التهمت كل المطبخ؛ الأواني، الخزنات الخشبية والثلاجة أصبحوا وقود زاد من إشتعال النار، لم يكن هناك لمحمود خيار إلا أن يتصل بالإطفائية بعد أن  خرج من المنزل بسرعة لعله يُنقذ ما تبقي من المنزل من الحريق.

وصلت رائحة الدخان إلى أنف الجار إسماعيل  الذي  غادر المنزل  للتو في طريقه للعمل،  التفت  اتجاه مصدر الدخان وصرخ يا الله دخان كثيف يخرج من شبابيك  بيت جاري محمود، وتمسمر لم يُحرك ساكن فقط وقف  يراقب، النار لن تتوقف  بسبب حركة الرياح وأخرجت ألسنتها من الشباك وانتقلت إلى الشجيرات القريبة ثم إلى  السياج الفاصل وبدأت تحرق شجيرات الجار إسماعيل لتمهد  لها طريق تنتشر من خلاله إلى البيت المجاور؛ أخيرًا حضرت شاحنة اطفاء  صغيرة وقديمة إلا أن ما تحمله من ماء لا يكفي لإخماد حريق كبير،  نزل الضابط من الاطفائية بعد أن أرسل رسالة إلى القيادة يطلب منهم سيارات أخرى تكون معبأة بالماء لقد كان الحريق هائل،  بدأ الجندي يفرد الخرطوم لعله يُعيق تقدم النيران! هنا هرول  الجار اسماعيل واعترض الجندي وأمره أن يطفئ حديقته أولا حتى لا تصل النيران إلى منزلة، مما زاد من غضب محمود الذي شد الخرطوم وأمر الجندي أن يضخ الماء بإتجاه مطبخه المتفحم  لعله ينقذ ما تبقى من البيت، وجاء دور إسماعيل وأمسك الإطفائي من ذراعه وأمره بأن يطفئ حديقته أولا؛ الضابط  تدخل و توسل للطرفين وطلب منهم عدم التدخل في عمل رجال المطافئ وحذرهم من أن النار ستنتقل إلى حقول وبيوت  القرية وإن بقيا هكذا ربما تنتقل إلى القرى المجاورة حينها ستكون المهمة صعبة على رجال الاطفائية، وبالفعل  النيران أحرقت بيت محمود بالكامل وانتقلت عبر الحديقة  إلى بيت إسماعيل والتهمته، وراحت تنتشر عبر الأعشاب الهشة وتحرق أشجار القرية  إلى أن وصلت إلى البيوت المتناثرة بين الحقول، حتى أحرقت القرية وامتدت إلى القُرى المجاورة.

خرج الوضع عن السيطرة، لم تستطع الاطفائيات إخماد الحريق الهائل  الذي انتشر في مساحات شاسعة من حقول الزيتون، ولم تخمد النار إلا بعد  أن أحرقت بيوت عديدة وحقول شاسعة، وصارت القُرى منكوبة تحتاج إلى الدعم والمساعدة وإلى عدة أعوام حتى تعود كما كانت حقول خضراء ممتدة وبيوت بيضاء جميلة.

- هذا ما فعلته نار الحزبية والكراهية  التي ليس لها مكان بين الشعب المسلم -

بقلم/ أشرف عبد القادر العقاد 

19/6/2023


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق