الاثنين، 9 يونيو 2025

رحلة الارواح الى الحرم /بقلم محمد امين بوقمري مجلة روائع الشعر والنثر وفرسان الحرف


 - عنوان القصيدة :  ( رحلةُ الأرواحِ إلى الحرمِ الطاهر )


- يا رحلةَ الشوقِ، يا دربَ الطهارةِ والنور،

يا دربًا لا يُقاسُ بالأميالِ، بل بالدموعِ والخشوعِ والانكسارِ بين يدي الغفور.


- تركتُ الدنيا خلفي...

ضجّت شوارعُها بالصخب، وغرقتِ المدنُ في أضوائها الزائفة،

لكن قلبي كان يُنادي: "لبيكَ، اللهم لبيك!"

كأنما في أعماقي حنينٌ قديم، وموعدٌ مؤجّل مع السماء.


- ركبتُ الطائرةَ لا كمسافرٍ، بل كعبدٍ عاد إلى سيده،

عيوني معلّقةٌ بالغيوم، والنجومِ، واليقين...

كلما اقتربتُ من مكة، خفَّ قلبي، كأنّه يتوضأ بالنور،

كأنّ في الهواء تلاوةً خفيّة، تهمس: "طهِّر قلبك، إنك في حضرةِ العتق."


- نزلتُ في الحرم، فذاب الوقت، وانكمشتِ الدنيا...

لا شيء هنا إلا الله،

ولا اسم يُرفع إلا اسمه،

ولا دعاء يُقال إلا وفيه رجاء،

ولا دمعةٌ تنزل إلا ويرفعها ملكٌ إلى فوق.


- أحرمتُ من الميقات...

خلعتُ عني ثوبَ الزهو، وتبرأتُ من اسمي، ونسيتُ ملامحي.

لبستُ كفنًا أبيضًا من قطنٍ بسيط،

كأنني ذاهبٌ لا للبيت، بل للبعث.

وقلتُها:

"لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك..."

فارتجفتْ روحي، ودمعتْ عيناي...

كم مرّةٍ عصيتُك يا رب، وها أنا الآن أُدعى إلى بيتك؟!


- وصلتُ مكة، ومكة ليست مدينة، بل حضنٌ إلهيٌّ مفتوح.

الكعبةُ أمامي،

سوداءُ كالعشق،

ثابتةٌ كالدعاء،

سامقةٌ كالمغفرة.

طُفتُ حولها سبعًا،

وفي كلّ شوط، كانت ذنوبي تتساقط،

كأنّ الملائكة تُملي على خطواتي دعاءً من نور.


- سعيتُ بين الصفا والمروة،

لم أرَ حجرًا، بل رأيتُ يقين هاجر وهي تبحث عن حياة،

كل ركضةٍ كانت رجاءً،

وكل عودةٍ كانت أملًا...

فهمتُ أن السعي ليس بين الجبلين، بل بين الضعف والإيمان،

بين الحاجة والكرم الإلهي.


- ثم عرفتُ عرفة.

يومٌ كأنّه القيامة،

وجوهٌ من كلّ فجّ، قلوبٌ خاشعة،

صمتٌ يخترقه البكاء والدعاء.

في عرفة، تكلّمتُ مع ربي بصوتٍ لا يُسمع،

وقلتُ له كلّ ما لم أقله حتى لنفسي...

غسلتُ أوجاعي بدموعي،

وكتبتُ على صفحة السماء: "أنا عبدك... فلا تتركني."


- ورجعتُ إلى منى،

ورميتُ الجمرات...

رميتُ وساوسي، شكوكي، وهواي،

رميتُ ذلك "الشيطان" الذي لبس وجوهًا كثيرة في حياتي...

ورجمتُه بحجرِ صدقي ويقيني.


- وذبحتُ الهدي،

وما الذبيحةُ إلا رمزيةٌ للنية،

ذبحتُ كبريائي، وتقديمي لنفسي،

وأطعمتُ فقري للرحمة، وغناي إلى الله.


- وحلقتُ شعري،

كم تمنيتُ أن أحلقَ ذنوبي معه،

لكنني أعلم أنّ الله فعل.


- ثم عدتُ إلى الطواف،

ودّعتُ البيتَ كما يُودَّعُ الحبيب...

بخجل، ببكاء، برغبةٍ في البقاء،

لكن ما دام الله هو المقصود، فكل الأرض بيت.


- يا رحلةَ الحج،

لقد أخذتِ قلبي، فخُذيه،

وزرعي فيه يقينًا لا يذبل،

وشوقًا لا يُنسى،

وعهدًا لا يُخان...


- يا رب، لا تحرمني العودة،

واجعل خُطاي إلى بيتك لا تنقطع،

ولو كانت في الدعاء،

ولو كانت في الحلم.

 - و في الآخير دمتم في رعاية الله و حفظه.


- بقلم : ( الدكتور و الأديب سيدي محمد أمين بوقمري ).

- الجزائر في : 2025/06/02.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق