الجمعة، 28 فبراير 2025

قبس من نور/د احمد محمد شديفات مجلة روائع الشعر والنثر وفرسان الحرف

 بسم الله الرحمن الرحيم

قبس من نور

"... مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أَرَىٰ ..."

هذه من أعظم المحاورات والمناظرات التي يتخللها التحديات نقلها القرآن فيما بين طرفين أحدهما  يمثل جانب النصيحة والآخر في موقع التحدي والتعدي معتمدا على قوته وملكه ونفوذه وبطشه واستبداده على من حوله وتحت سلطانه...

عنوان المناظرة "مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ ..."

بدأت من الآيات 26 لغاية29 وباقي الحوار محفوظ في سورة غافر لمن يرغب المتابعة والاستزادة، كانت المحاورة في ما بين فرعون ورجل من قومه مؤمن بالله:-

--- "وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ذَرُونِيٓ أَقۡتُلۡ مُوسَىٰ وَلۡيَدۡعُ رَبَّهُۥٓۖ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمۡ أَوۡ أَن يُظۡهِرَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡفَسَادَ"

علل فرعون محاولته قتل نبي الله موسى عليه السلام وأتهمه بتبديل الدين ونشر الفساد، بينما الحقيقة خوفه على مكانته ومركزه وملكه، وإلا فأي دين يخاف عليه فرعون وهو أفسد المفسدين

---" وَقَالَ رَجُلٞ مُّؤۡمِنٞ مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَكۡتُمُ إِيمَٰنَهُۥٓ أَتَقۡتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدۡ جَآءَكُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ مِن رَّبِّكُمۡۖ ..."

أكد هذا الرجل المؤمن على ما جاء به موسى من الإيمان بالله بالدليل والبرهان.

--- وقال المؤمن "يَٰقَوۡمِ لَكُمُ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَ ظَٰهِرِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِنۢ بَأۡسِ ٱللَّهِ إِن جَآءَنَاۚ.." هذا الرجل المؤمن ذكر قومه هم بما فيهم فرعون بنعم الله عليهم الملك والظهور في الأرض...  فهو تنبيه وتلميح أن مخالفتهم رسالة موسى بدعوته لدين الله والإصلاح سيكون سببا لسلب ملكهم وانتشار الفساد، وبالإضافة تصديقهم ما يدعيه فرعون...

صور القرآن جلسة المحاورين وقد وقفا ندا لبعضهم البعض والنظارة جالسين يستمعون  شهود على ما يدور من حديث في موضوع تغليب إتباع منهج النبوة الرباني والدعوى لترك ادعاءات فرعون الباطلة حتى لا يبقى لهم عذر، ويتحملون جزء من المسؤولية التي تليت عليه أمام الله تعالى...

المحاورة والمناظرة ما زالت فيها مداخلة واستطراد الآن يأتي دور الكذاب فرعون وأمثاله في كل زمان ومكان ،

"قَالَ فِرْعَوْنُ :- مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أرى وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد"

هكذا هي الهيمنة والتورية والطغيان وطمس الحقيقة والاستغباء والتلويح بالقوة والبطش والاعتقال وإسكات كل من يخالف ذلك الفرعون أقل القليل تهديد ووعيد وإرهاب لا مثيل له هؤلاء هم طواغيت كل زمان حذر منهم القرآن ...وهذه هي مهمة القرآن لا تنتهي بزمان أو شخص مهما كان ...

صدق رسول الله ﷺ وقد أجاب عن ذلك "كتاب الله تبارك وتعالى، فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم...

فأول قاعدة قَنَّنَها فرعون في الهيمنة والاستبداد ومنع أية محاورة أو مناورة أو مظاهرة أو نصيحة من أحد...

القاعدة باختصار :- " مَآ أُرِيكُمۡ إِلَّا مَآ أَرَىٰ"

أي ما أشير عليكم من رأي أو نصيحة إلا ما أرى أنه صواب لا زلل وخلل فيه واجب الإتباع منكم كرها أوجبرا عنكم ، بمعنى صادر كل الحريات والرأي الآخر ،

فالرأي الأول والأخير للفرعون فهو يفكر لهم وعنهم ويرى ما يرون، فهم لا يرون ما يراه ونعتهم بالغباء والبلادة ثم ثنا كذبا وزورا وبهتانا أنه يعمل لصالحهم والحقيقة أن يعمل لصالحه  بمعنى تفكيرهم له سقف محدد دون تفكير الفرعون لا يتعدى رؤيته ورأيه فلا حاجة لأية مناظرة من هذا القبيل فهذا واقع حال الفراعنة في عالم اليوم ،

فعالم يطرح النصح بعدم التهجير ونزع أوطان المواطنين من أرضهم "مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ" 55 طه، تنادي ولكن لا حياة لمن تنادي؟

هذه صورة فرعون زمان توافق حال فرعون آخر الزمان، فرغم كل هذا النصح وبيان طريق الحق من الضلال يبقى الفرعون مصرا على عناده أن الصواب ما يراه وغيره لا رأي له ولا كلام  وزيادة في التضليل والتعليل قال الفرعون :-

"وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد"

زيادة في الإمعان والإصرار والعنت ورغم مخالفته للواقع  يصر على رايه أن هذه هي الحقيقة  وفيما يحقق المصلحة وبما يعود بالمنفعة للإنسان ،وبه يسود السلام والاطمئنان، وهذا العهر السياسي عند من لا يؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله وعليه وسلم نبيا

تقديم الدكتور أحمد محمد شديفات/ الأردن


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق