السبت، 4 نوفمبر 2023

قبس من نور/د محمد احمد شديفات مجلة روائع الشعر والنثر وفرسان الحرف

 بسم الله الرحمن الرحيم

قبس من نور

"... فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمۡ ظَـٰلِمُونَ "

ما من إنسان بالغ عاقل إلا يعرف الطوفان فقد ورد ذكره في القرآن في قصة نوح عليه الصلاة السلام...

قال الله تعالى "فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ ،وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ" القمر 11/12

فالطوفان أن يزيد الماء النافع عن حده المعهود، فبعد أن كان وسيلة حياة يصبح سببا للموت والغرق وذلك بإرادة الله وهذا بسبب العصيان والأعراض عن الأيمان بالله، وبعد جهد شاق في نشر الدعوة لله "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ" العنكبوت/14

فالطوفان فيضان عظيم أغرق الأرض وغمر اليابسة كلها، ومثله أي أمر عظيم كثير يطغى على غيره ،وهذا ما ورد في القصص القرآني فهو يذكر المسلم حال الأمم السابقة فهو درس من حياة الرسل عليهم الصلاة والسلام مع الظالمين...

إذن يؤتى الحذر من مأمنه ، ومن وسيلة حمايته واعتماده على غير الله في أمور حياته ومن أسباب الطوفان الظلم والطغيان..."... وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ "فصلت/15

فالظلم له أعوان ظاهرين ومخفين أتفقوا على قتل الأبرياء والمستضعفين والذين لا يملكون الدفاع عن أنفسهم والتلذذ بقتلهم فما لهم معين ونصير إلا الله ونعم بالله...

قال الله تعالى "مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ" المائدة /32

عندما يفيض الكيل ويطفح السيل أعلم أن عذاب المعتدي قريب "... فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ۚ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ ۖ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ"الأحقاف/24  عندها أنتفض المظلوم على الظالم في يوم عيد فرحته وكبرياءه واستل سيفه وأخذ بعنان فرسه وطلب حريته عنوة ممن ظلمه ولم تعد تقف أمامه وسائل التكنولوجيا الحديثة ولا ترهبه المراقبة الدقيقة ونزع الخوف من قلبه ودب الله الرعب والهزيمة قلب عدوه اللدود ،نهض المظلوم المكلوم يطلب الشهادة من الله ولم يحسب للبشر حسابا هانت أمام قوته كل السبل والأسوار المكهربة وأرهب عدوه ودمر آلياته وأسر جنرالاته وجنوده ....الخ

قام العالم المأزوم الذي يكيل بمكاييل شتى وأنتصر للظالم وأمده بكل أدوات التدمير والتفجير وحرك أساطيله وسفنه الحربية وجنده وغض النظر عن جرائمه وهدد وتوعد وأزبد وأرعد على مبدأ "من ليس معنا فهو ضدنا" وخاف القوم وارتبكوا وتذبذبوا وسكتوا كأن على رؤوسهم الطير ومنع النقير والنفير..." مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ" الصافات /92

لمسات بيانية قرآنية وصور حركية تظهر في الطوفان فكل زمان :-

قال الله تعالى "فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمۡ ظَـٰلِمُونَ" تصوير حركة قوة تدل على عنف الطوفان فقد نزع المعتدي من مكان استقراره بشدة غير معهودة ونكل به وجرجره وخطفه وأفقده أمنه وكل المعاني التي تدل على ذلك حتى لا يدع مجالا لفراره من قبضة الله العزيز المقتدر إحاطة تامة به مميتة له، قال الله تعالى "فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ" الحاقة/8

وذيلت الآية الكريمة وهم ظالمون أي أخذهم الطوفان وهم متلبسون بالظلم حتى لا تبقى لظالم معذرة أو حجة  فالمجرم مازالت كلتا يديه ملطخة بدماء الضحية...

تقديم الدكتور أحمد محمد شديفات/ الأردن



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق