بسم الله الرحمن الرحيم
قبس من نور
"... تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ ..."
أي مجتمع مهما كان فهو كالإنسان يخطئ ويصيب، وكالجسم يتعرض للصحة والمرض ،
إذن لابد من ضبط المجتمع وحمايته ورعايته ومعالجته خوفا عليه من انفراط عقده وتشتت أفراده ولا يكون ذلك إلا بالمراقبة الحازمة والأحكام الرادعة، وهذه هي الثمرة المتوخاة..............................
وقد تتابعت الآيات في سورة النور ومنها هذه الآية بالذات فما وجدت أعظم منها في منع إشاعة الخبر المذموم الفاحش.....
قال الله تعالى :-
" إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا .....
لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ..............................
وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ........................."
انتشار الإشاعة أخطر من الوباء فهي سريعة الإصابة في صميم البنيان، والإشاعة فتنة كاذبة تتدحرج ككتلة الثلج وهي أخبار سوء سرعان ما تنتشر وتكاد الآيات العشرة من سورة النور التي تناولت حديث الإفك تجمع على العقوبة كل آية منها أتت بعقوبة أشد من التي سبقتها أو تضاهيها عن تلك الإشاعة
قال الله تعالى :-
"وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ..."آيةْ{11}
"هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ"...{12}
"فَأُولَٰئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ"...{13}
"فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ"...{14}
"وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ"...{15}
"هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ"...{16}
"يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا"{17}
"وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ..."{18}
في الدنيا والاخرة."إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ"{19}
" وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ..."{20}
توافق عجيب وترتيب من رب العالمين مراد به شناعة حديث الإفك والإتيان بصفات لها ميزة خاصة عن غيرها منها
"عذاب عظيم*
إفك مبين*
هم الكاذبون*
مرة أخرى عذاب عظيم*
تحسبونه هينا وهو عند الله عظيم*
بهتان عظيم*
كم مرة تكررت كلمة عظيم،
تعودوا لمثله أبدا*
يبين الله لكم الآيات*
عذاب أليم في الدنيا والآخرة*
والله إنه لأمر عظيم نزل من رب عليم، يعلم بما في نفوس البشر، ولو يعلم صاحب فاحشة الإفك كم فيها من أثر وهم وغم وحزن وذم في كلامه ونشره وإشاعته بين الناس ما تجرأ أحد أن يتكلم بإشاعة الفاحشة ونشرها على الملأ ...
قال الله تعالى :-
" وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُون
كم من الألم يصيب ذلك المكلوم بسبب إفككم أيها الأفاكون فهذا هو عقابكم أعلاه في الدنيا والاخرة، فكلمات فاحشة ،وأفك ، والإشاعة غير مستأنس بها وكلام وَحَشَ والمقصود بها جريمة الزنى، وكل هذا ينبئ بعظم الجريمة وشناعتها فسميت بعدد من الأسماء من أجل إظهارها بمظهر الفعل المستقبح، وهذا أفضل من تكرار الكلمة بالذات فتصور كيف الآيات تتنقل بين لفظ إلى آخر لنفس الكلمة مرة تسمي الشيء باسمه ومرة بصفته حتى يبقى الإنسان متابعا لألفاظ القرآن ولا يمل ففي كل آية لفظ ومعنى جديد، والله بذلك عليم إذن أستر على غيرك يسدل الستر على عيوبك حتى يغطيك ولا يفضحك ولا يرديك لا في الدنيا ولا في الآخرة...
هذه الآيات الكريمة بمجملها نبراس ونور وقدوة للمسلم المؤمن للتروي والتاني وعدم التسرع في تصدق الأخبار الواردة من مصادرة مكذوبة أو مشكوك فيها "عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ (1) عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلۡعَظِيمِ (2) ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ مُخۡتَلِفُونَ " من هنا تظهر الإشاعات في وقت الاختلاف في أمر من الأمور ...
فالإشاعة تضارب بين الأخبار المكذوبة وزيادة عليها كي يصدقها الناس وهي دسائس من خلال الأعلام المأجور ففي هذه الأيام تضخم الإشاعة ويزينها أصحابها ويتناقلون أخبار مكذوبة غير واقعية في وقت الحروب والفتن والقلاقل وعدم الاستقرار والأزمات والهدف نشر الرعب والتفرقة والترويج فهو سوق الكذابين، فلا تصدق كل ما يكتب أو تسمع في عالم اليوم غالبيته تدليس وتفليس...
قال الله تعالى" وإن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين"
الدكتور أحمد محمد شديفات / الأردن