بسم الله الرحمن الرحيم
قبس من نور
"... وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ..."
من تمام الشيء كماله وعدم نقصانه وأول ما يتبادر للسامع أن المقصود به القرآن الكريم، وورد غير ذلك كذلك فعن ابن عبّاس أنّه قال: كلمات الله وَعده، وفسّر صاحب الكشاف كلمات الله: أمره ونهيه، ووعده، ووعيده، وقال ابن عطيّة أن المراد من كلمات ربك نفذ قوله وحكمه...
فالقرآن يتسع كل هذه المعاني وغيرها وهو دليل على أن الإنسان يجتهد في فيما يحتمله اللفظ من معاني صوابا في آية 115 من سورة الأنعام "وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِۦ ۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ "
بعد هذا فالمؤمن من يبذل جهده وعمله ونفسه و ماله و ولده و كل ما يملك في حياته الدنيا لكي ينال رضى الله تعالى عنه، مطمئنا أن كل المصاعب التي تصادف طريقه قدرت عليه ومكتوبة فهذا من وعد الله له فيما يعود عليه بالصبر والثبات، لأنه لا علاقة للإنسان في التغيير والتبديل في هذه الأمور المكتوبة كونه لا يملكها،
وبهذا يأتي التمام وفق مراد الله وتقديره بمعنى بلوغ الشيء إلى أحسن ما يبلغه مما يراد منه، وبهذا يعرف النقصان بفقدان بعض مكوناته، وبهذا تظهر النتيجة المترتبة على التمام والنقصان التي قدرها الرحمن، ويشعر بها الإنسان بالفرحة أو الندامة ، خذ مثالا على ذلك ما دار في الميدان في السابع من الشهر العاشر لعام2023 وما تلاه من مجابهات وصراعات مميتة...
الفريقان المتصارعان كلاهما يتربص بالآخر وينظر ساعة الصفر وقد أعد العدة وهيء لها كافة الظروف، ودائما كما قيل الكف لضاربه والحرب خدعة فالهجوم المباغت أربك العدو على حين غفلة فبهت الذي كفر ووقع صيدا ثمينا خسر فيها كل تحصيناته وأسر وقتل عدد من قواته،
فالضربة أخلت توازنه وأفشلت خططه "فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ" 19، 20 المدثر ،وقد ظن أن قبيله سهل صيده وإيقاعه في شباكه المحكمة، فوضع ثلاث أهداف لقتاله للقضاء المبرم عليه ومسحه من الوجود، وإعادة الأسرى بالقوة الجبرية والتهجير،
وبعد أن وضعت الحرب أوزارها بما فيها من مصائب وقتلى وجرحى وأسرى ...جيء بميزان الصدق والعدل للتحقق من حصول المنتظر والنتائج التي تمت بإذنه تعالى دون مراعاة لأحد من الأطراف كونه سبحانه وتعالى هو السميع العليم لكل ما حدث ودار سواء في العلن أو الخفاء فهو صاحب الأمر والفصل والحكم فيه دون نقصان، فالعدل إعطاء من يستحق ما يستحق دون نقصان ودفع الظلم والعدوان وهذا ما كان رغم التعنت والنكران ، وهذا صدق ما أخبر به المولى عز وجل في القرآن من وعده ووعيده وأمره ونهيه ...وبهذا كشفت كلمات الله كل الأطراف الكاذبة المزورة المنافقة المنقوصة المواقف وأظهرت قوة الحق وأهله وعلوه على الباطل وأهله، وفي هذا تأنيس للمؤمنين أن النصر والرعاية واللطف بحول الله وقوته ،
ومن هنا أنقسم الناس إلى قسمين متباعدين حسب تعاطفهم وميولهم ففرح من كان محبا للخير وهزيمة الظالم ونصرة المظلوم رغم كل الخسائر التي وقعت فالجرح والألم عميق قد أصاب الطرفين معا وتأتي آية آل عمران 140 للفصل والبيان وهذا تقدير الرحمن جاء صدقا وعدلا على التمام دون نقصان ليعرف العالم كله ممن كان العدوان والبهتان :-
قال الله تعالى :-
" إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ
وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ
وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ
وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ "
تقديم الدكتور أحمد محمد شديفات/ الأردن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق