بسم الله الرحمن الرحيم
قبس من نور
" ... لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ..."
عنوان يبعث على الأمل والتفاؤل ونظرة مستقبلية مشرقة شمولية ونصر من الله ونداء خالد أوحاه رب العالمين لسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه الأمين أبو بكر الصديق رضي الله عنه ولكل الصادقين من هذه الأمة إلى يوم الدين،
هذه الجزئية وردت في سورة التوبة آية 40 "إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ... إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "
الحزن حالة انطوائية على ما فات تدمر الحياة للممات، ويحطم المعنويات والنفسيات ويقعد الإنسان عن الحركة ويمنع التفاعلات مع المستجدات ...
إسلامنا شامخ فوق الأحزان فالحزن يلتئم بالفرح ويعلو النصر فوق الترح والأوجاع والمصائب والجراح طلبا للأجر والثواب من الله والترحم على الشهداء، فأي فضل أفضل من دحر وهزيمة الأنذال، وبعد وعد وعهد إن عدتم عدنا بأقوى مما كنا بإذن الله تعالى ...
"قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ"58 يونس،
الفرحة سجدة شكر مزجت بالدموع والخشوع لله فهي تنبَّأ بمستقبل مشرق كله نور، فالجريح يتعافى والأسير يتحرر، والبيوت المدمرة تنهض بقواعدها، والأرض بأمر الله ستنبت من كل زوج بهيج، والشجر والحجر والبشر يلعن المعتدين،
فلا هجرة ولا تشريد بعد اليوم بإذن الله تعالى غرس متجذر بالأصالة والطهارة والخصوبة والنقاء وقوة إرادة في التربية والعزة في الحرب والسلم ذاعت وانتشرت تلك الأخلاق على الملأ للعالمين كافة ، تم فيها تليقن الأعداء ومن لف لفيفهم أنه لا رهبة ولا خوف ولا استكانة ولا لين معهم مع المعتدي - ما يَفُلّ الحديد إلاّ الحديد –
هؤلاء قوم قال الله تعالى عنهم "وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ..."96 البقرة
وآخرين لهم شهداء لا يحصى لهم عددا "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " 111 التوبة
هذا موقف الإسوة الحسنة الذي جاء ذكره في هجرة رسولنا صلى الله عليه وسلم في أشد الظروف الحالكة من أجل وئد الرسالة في مهدها وقد استنفر الشرك جمعه وقوته كلها على غار مهجور نزلت عليه من الله الطمأنينة والسكينة والتأييد تتلى منه صلى الله عليه وسلم على مسمع من صاحبه لا تحزن إن الله معنا
أطمئن ايها المسلم إن كنت مع الله لا تحزن إن الله معنا، ولا تبالي ولا تسأل حاجة من أحد، وأعلم إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان الله عليك فإن أتفه وأذل وأرذل البشر يتطاول عليك، إذن لا تستغني إلا بالله ولا تطلب النصرة والنصر إلا من الله، فالبشر لا حول لهم ولا طول، فالله سبحانه صاحب الحَوْل والطَّوْل بيد كل شيء يدبر الأمور تدبيرا
"وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ 139 آل عمران
إذن عليك بحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: " كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا... إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ"
فالنصر يقينا من عند الله لاشك يعتري ذلك، وباقي المخلوقات يسخرها الله لمن يشاء من عباده المؤمنين إذن فلما كل هذا التبرم والتضجر والتَلاءَم والتهكم والعتاب على مواقف البشر فلا تتأسف على موقف علان وفلان ولا تنعت إنسان بأي بيان فأنت تنقص الله حقه فلا ينسب الفضل والإحسان إلا لصاحب الفضل والإحسان رب العرش العظيم،
كن على يقين "وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ"42 النور
إذن بعد الشدة والضيق يأتي الفرج المبين
"... لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ، بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ "آية 3 ،4 سورة الروم
تقديم الدكتور أحمد محمد شديفات / الأردن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق