بسم الله الرحمن الرحيم
قبس من نور
" ... فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ..."
آية غريبة عجيبة تشد الانتباه اليها
(فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ)آية 44 الدخان
معروف أن البكاء دموع ثخينة ساخنة مالحة تسيل على الخدين،
وهي علامة حزن في القلب وتنفيس عن هموم وألم ووجع...
وتختلف نبرة بكاء الصغير عن الكبير والرجل عن المرأة...
وقد يبكي الإنسان فرحا أو ترحا أو تصنعا أو استهزاء...
أما أن تبكي السماء والأرض ففي الأمر غرابة
لا يكون ذلك إلا لأمر هام وملفت للأفهام البشرية
قال كعب بن مالك رضي الله عنه عندما تخلف في غزوة تبوك:-
ﺣﺘﻰ ﺗﻨﻜﺮﺕ ﻟﻲ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ اﻷﺭﺽ، ﻓﻤﺎ ﻫﻲ ﺑﺎﻷﺭﺽ اﻟﺘﻲ ﺃﻋﺮﻑ"
جافته وتنكرت له لتخلفه عن الجهاد،
قال صلى الله عليه وسلم إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم عليّ
وقد ورد:-
أن كل شيء يسمع صوت المؤذن من رطب أو يابس يشهد له، ولا يشهد إلا من علم
فللكون أسرار وإن كنا لا ندركها بالعقول نؤمن بها في القلوب،
قال الله تعالى" لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ"
أي خشوع هذا لدرجة التصدع لا يعلم ذلك إلا الله
قال الله تعالى "وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ"
خشية الحجر من الله نوع مخصوص، فلا يكن عقلك في هذا قاصر وفيه تخاصم وتجادل ويكون شعورك محدود لا يؤمن إلا بالماديات والمحسوسات،
أسئل نفسك عن نفسك أين عقلك وروحك(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ، قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)
بعد هذا كله قنعت أن السماء والأرض تبكي، أما كيف تبكي وعلام تبكي ، ولكن متى تبكي وعلى من تبكي، فالعلم عند الله
قال صلى الله عليه وسلم (...وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ)هذا لا أسف عليه مؤذي لا تبكيه لا سماء ولا أرض،
اما المؤمن فالأرض تقول له(كنت أحبك وأنت على ظهري ، فأنت الآن أحب إلي في بطني)
أقر الآيات التي سبقت آية(فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ) من سورة الدخان تجد أن المشهد قد تصدره فرعون وقومه(أَنَّ هَٰؤُلَاءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ)ثم تابع النسق القرآني(وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ)
قوم فرعون ما بكاهم أحد غرقوا إلى غير رجعة لم يحزن عليهم أحد إلا من كان مثلهم فعلام تبكيهم السماء والأرض، وهم مجرمون؟
الإنسان ينسجم مع الكون المسخر لخدمته الذي يحيط به سواء أدرك أو لم يدرك (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)هذا التفكير دعا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخاطب جبل أحد(اثبت أحدَ فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان) قوله(جَبَلُ أُحُدٍ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ)تبادل في المحبة وإعجاز وغيب أخبر عنه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم،
فأحسنوا صحبة السماء والأرض فالمؤمنَ إذا مات بكى عليه مصلاَّه من الأرض، ومصعد عملِه من السَّماء.
أنظر هذه الصورة "فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ" آية 15 فصلت
بالله عليك بعد هذه الصورة أعلاه لقوم مجرمين كيف تبكي السماء والأرض من دمر مساجدها وكنائسها ومدارسها ومصحاتها ومستشفياتها وبيوتها وقتل أطفالها وشرد أهلها ولوث هوائها ولم يبقي شيئا صالحا للحياة عليها ...
هؤلاء مصيرهم محتوم مختوم كمن سبقهم من الطغاة المجرمين
قال الله تعالى :- "فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ تقديم الدكتور أحمد محمد شديفات/ الأردن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق