بسم الله الرحمن الرحيم
من هدي النبوة
"مَنَعَتْ الْعِرَاقُ قَفِيزَهَا...والشَّأْمُ مُدْيَهَا... ومِصْرُ إِرْدَبَّهَا..."
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال:-
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :-
مَنَعَتْ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا
وَمَنَعَتْ الشَّأْمُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا
وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا ،
وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ"
شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ،
هذه الدول المذكورة في الحديث وهي :-
- العراق
- الشام:- وهي سوريا والأردن ولبنان وفلسطين"
- مصر
دول معروفة ومقصودة بذاتها وليس عبثا أن يأتي ذكرها هكذا دون أن يترتب على ذلك أمر ما؟ فهي تشكل وحدة واحدة ويكمل بعضها البعض بشريا وسياسيا وعسكريا واجتماعيا واقتصاديا ودينيا و وبينها روابط كثيرة ولها ثروات لا يحصى لها عدا ولا نقدا ظروفها متشابهة وهي امتداد حضارات قديمة
قال حافظ ابراهيم :- إذا ألمّت بوادي النيل نازلة... باتت لها راسيات الشام تضطرب
وكأن الحديث النبوي يحاكي واقع حال الأمة الآن وما يجري في هذا الزمان وقد تناول منع الغذاء بأنواعه وأشار لوسائله من المكاييل على اختلافها وتناول النقد الذي يمثل اقتصادها وما حل به من نهب وإسراف وسرقة وتبذير وتصدير للبنوك الأجنبية...والبلاد هذه يطمع في خيراتها وثرواتها كل المستعمرين على مر الدهور...
ومن مفارقات الحديث :- تكرار كلمة منعت رافقت مسمى كل بلد من تلك البلاد ولم يكتفى بذكرها مرة واحدة للكل لابل الكل منعت وقد يراد به الغالبية وتنبيه لما يترتب على المنع من مجاعة
-- ومفردة القفيز ومثله المد والأردب كلها مكاييل فالمنع إشارة للغذاء من المأكل كل ما يقتات عليه البشر كالقمح والأرز وغيرهما ، ومنع الدرهم والدينار وفقدان التداول وشراء السلع بالمال إذن الحديث يشير إلى ظروف استثنائية قاسية وبالفعل حصلت في تلك الديار من مجاعات وظواهر وأزمات غذائية نقدية شرائية، والمنع الحاصل قد يكون جبرا أو كرها أو طوعا أو انتقاما أو عدم مبالاة أو حصارا كما حدث سابقا في العراق والآن في غزة ...
ومحتوى الحديث إنذار وعقوبة معا ترتبت على المنع المكرر، فالتكرار مع تسمية كل بلد باسمه دون غيره حتى يتحمل المسؤولية الجميع وليس بلد واحد ولا يبقى عذر لأحد،
فالنعم تدوم بالشكر للمنعم وهو الله وتزول بالمنع عن مستحقيها بمنع الزكاة أو الصدقة أو الهبة أو المساعدة أو المعروف...
ودليل المنع زيادة فضل الطعام وموائده والتبذير عند مانعيه فيما يزيد عن حاجة الشبعان المترف المترع ومنعه عن أخيه الذي يموت جوعا صباح مساء فهذا منتهى الخذلان وإلا ما سبب ذكر المنع لشيء غير موجودا أصلا ففاقد الشيء لا يخاطب بالعطاء، أضف لذلك فالأعراض عن البذل تمادي وتحدي لله مما يستوجب العقوبة...
والحديث كما كرر المنع ثلاثا وشدته وقسوته فهو الموت بالذات، كرر جملة أخرى ثلاث مرات للتوبيخ والتهويل وتنبيه للقلوب الغافلة والعقول الشاردة وقرع للأذان الصم أن العقوبة الأشد آتيه قد يكون بانفصال هذه الأمة الآن عن سلفها،
وتذكير بفضل الله أن هدى هذه الأمة وأنعم عليها بالأخوة والألفة بعد شتات وفرقة وضلالة وضياع جمعها على التوحيد أمة واحدة...
قال الله تعالى "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"
هذا ما يذكرنا به رسولنا صلى الله عليه وسلم أن نحافظ على فضل الله ونعمته من الأخوة والتكافل والتراحم والتعاطف والمساعدة والإيثار وإلا نعود لما كنا عليه في الجاهلية الدهماء من تحارب وتضارب وقتل فهذه العودة غير محمودة، فقد أنقذنا الله بالقرآن الكريم والرسول العظيم المبعوث رحمة للعالمين...
للعلم قد يكون هذا الحديث الوحيد الذي نبه اليه الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه مما رواه عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بهذه العبارة المميزة شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه
خاتمة غريبة تثير أكثر من تسأل يخطر ببال المسلم لما يا أبا هريرة هذه الشهادة غير المعهودة وأنت الثقة في نقل حديثه صلى الله عليه وسلم قد يكون لشناعة منع الطعام والمال وسيلته فعلى كل مقتدر أن يؤدي واجبه لأهلنا في غزة وعموم فلسطين لكي نثبت لله رب العالمين ولرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أننا مازلنا على العهد – فأصبحتم بنعمته إخوانا-
إما أخوة صحيحة صادقة وإلا عودة للماضي السحيق تهديد ووعيد قريب...
تقديم الدكتور أحمد محمد شديفات/ الأردن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق