الخميس، 21 أغسطس 2025

قبس من نور/د احمد محمد شديفات مجلة روائع الشعر والنثر وفرسان الحرف

 بسم الله الرحمن الرحيم

قبس من نور

"... وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ ..."

هذه الجزئية وردت في سورة البقرة آية 251 :-

"وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ"

وهي دعوة للحفاظ على انتظام السنن الكونية من الفساد خاصة فيما يديره الإنسان بالذات ومنه ما يظهر لبعض البشر من خلاله أن مطالبة صاحب الحق حقه نوع من التجني على الظالم كما حصل في السابع من أكتوبر 2023 حُمل المظلوم تبعات ما حصل بين غزة وعدوها اللدود...

وقد أجاب القرآن على ذلك بأفضل بيان :-

"... فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ"195 آل عمران

آية العنوان شرعت سنة المدافعة لحل إشكالية وتصحيح مفهوم التدافع ومنه مطالبة المظلوم حقه من الظالم وإن طال زمان الظلم كون التدافع سنة إلهية لا تتغير وجزء من نظام الكون في دفع الناس بعضهم البعض ودحر فساد أهل الباطل...

ففي سنة المدافعة عبرة وحكمة  وانتظام العمران على وجه الأرض لأن الفساد خلل وتعطيل سبل الحياة وتدمير الموارد البشرية وهو مخالف للسنن الإلهية الكونية التي أودعها الله في استمرارية الحياة واستقرارها لوقتها المحدود منه تعالى، والتدافع ردع العدوان قبل وقوعه وبعده...

وأودع الله سبحانه وتعالى سنة الدفاع عن الكون والبشر بكافة الوسائل المتاحة ورد الظالم بالقوة وأطره على الحق والصواب والصلاح أطرا، ومن هذا المنطلق تجد أن للحق أعوانا وللباطل أقرانا والصراع قائم بين الحق والباطل سواء إعلاميا أو بإثارة الفتن أو تأجيج حروب مستعرة كما هو حاصل الآن لأن ظهور الحق إزهاق للباطل وانكشاف عورة الفساد واستهجان أفعاله وأساليبه كالتجويع حتى الموت عمدا...

ولولا صمود أصحاب الحق في دفع الباطل لساد الفساد وباد وأهلك البلاد والعباد وأزبد وأرعد في التهديد والوعيد والتوسع في أكبر رقعة من الأرض بالفساد ويصر على ذلك وهو مهزوم ومأزوم داخليا وخارجيا وهو قد هزم من فئة مؤمنة قليلة صابرة -لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ۖ وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ"111 آل عمران

نقطة أول السطر كيف تتدخل العناية الإلهية لجانب المظلوم على حساب الظالم؟

الآية الكريمة بدأت بكلمة لولا الدالة على امتناع شيء لوجود شيء آخر وهي سنة المدافعة والعون الإلهي الذي أودعه الله في الصبر والثبات والتفاني من أهل غزة وعموم فلسطين على الرغم من قلة ذات اليد وتكالب الاعداء من كل صوب حتى من أقرب الأقربين ودحر العدو وإفلاسه في تحقيق مراده،

نتج عن ذلك كله تعثر المفاوضات الغير مخلصة والوسائط الغير نزية وتدخل أطراف غير محايدة كل ذلك كان مدعاة للشكوك وعدم الاطمئنان للطروحات فهي مصايد وحبائل شيطانية، فكيف يعقل ومتى كان يجرد المقاتل في الميدان وأمام عدوه أن يستسلم ويسلم سلاحه لعدو يطارده ويحاول قنصه ويجوعه هذا هو الانتحار بعينه فإذا لم يكن ذلك كذلك فماذا إذن يكون؟

لابد من الاحتكام إلى الحق والصواب تحت وطأة سنان الحِراب والثبات والعلو وليس الاستجداء والذل والهوان "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ"7 سورة محمد

من السابق لأوانه التصريح أو حتى التلميح أن أحدا قد حقق أهدافه أو على الأقل شارف على تحقيقها هذا كله خيالات ووعود واهية بعد كل هذا الصراع الشرس فلا أحد يمكنه تغطية خسارته بقشة ولكن رابط الإعانة للمظلوم على الظالم وردت بصورة مؤلمة في قوله تعالى " ... إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ..."104 النساء،

فمن المسلمات أن النصر دائما حليف من كان معتمدا على الله بما يواسي آلامه ويجبر صوابه ويذيق عدوه الآلام والخوف والرعب والذل والمهانة ومرارة الهزيمة بصورة تؤلم قلوب الذين كفروا ومن معهم والعزة والنصر والهيبة للمؤمنين إلى يوم الدين  والأمل بالله معقود على شباب الأمة ... فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ...54 المائدة

تقديم الدكتور أحمد محمد شديفات/ الأردن         



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق