الجمعة، 25 أبريل 2025

أزمة ثقة/د احمد محمد شديفات مجلة روائع الشعر والنثر وفرسان الحرف

 بسم  الله الرحمن الرحيم

... أزمة ثقة ...

أوجدت الظروف التي تعيشها الأمة الآن عدم وضوح الرؤية وضبابية التبعية في تعدد الآراء وتشعبها وبعض الجهات التي وضعت نفسها في الصدارة والقيادة والوصاية جبرا، بالإضافة للضغوط والولاءات الخارجية والترهيب والترغيب والتخويف والمناكفات والاتهامات والسباب والشتم بسبب وبدون سبب ،

وهذا ليس حصرا على بلد دون الآخر فكل بلد خلق له مشكلة عجز عن حلها داخليا وغذيت خارجيا فهي فوق إرادته وطاقاته في ظروف مدعومة من وراء الستار  لإشعال الفتن بين فئات الشعب الواحد وإثارة النزاعات الطائفية والقبلية وحتى الأسرية، فتجد الحروب تقوم لأتفه الأسباب وإذا قامت أحرقت البلاد والعباد بنزاعات مفتعلة وتصرفات غير مسؤولة بين ابناء الوطن الواحد من قبل قيادات مستأجرة فاشلة.

طبعا هذه الأوضاع خلقت فئات وليس فئة واحدة تعيش وتسعى وتتصرف فيما يحقق لها الزعامة والعيش على حساب الآخرين بأي ثمن ولو سالت دماء ابناء الوطن الواحد أنهارا...

 بعض مكتسبات الأمة دمرت نهائيا وحُلت جيوش وحَل بدلها مليشيات وولاءات خارجية وأحرقت البلاد دون أسف عليها،".. يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ.."2 الحشر

هذه التخبط أوجد خللا وعدم توازن في البنية الاجتماعية وظهور فتن تدع الحليم حيرانا مما أوجد أزمات يصعب حلها حتى أصبح الناس كما وصفهم  صلى الله عليه وسلم  في حديثه "إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ المِائَةِ ، لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً " وصف في منتهى الدقة والخطورة مائة لا تجد فيهم رجلا عاقلا حكيما ... الآن الكل يفتي ويشير ويثير ويطرح ويزيد ويخون آخرين ويحكم ويقضي  دون دليل عقلي ولا نقلي، تضارب وتشاؤم وتشرذم خلق فئات عديدة لا يربطها رابط "مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ" 21 الروم

فالأزمات التي حلت بالأمة من كل جهة كثيرة لا حصر لها، وتنوعت حسب مسمياتها نتج عنها ضيق ومشقة واضطراب وأزمات سياسية أو أمنية أو عسكرية أو اقتصادية أو مالية أو عدوان على الأمة أو عدم ثقة بين أفراد المجتمع الواحد مما أدى إلى التفكك والارتباك والاضطراب والخراب

عادة الأزمة تبدأ ككرة الثلج المتدحرجة سريعا قد تتحول إلى إعصار مدمر بفعل فاعل إذا لم تجد حكمة الحكماء ووضع الحلول الجذرية حرصا على المصلحة العامة خوفا من الفوضى التي قد تعصف بكامل مكتسبات الأمة  "وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ..."45 الكهف، بمعنى يصبح كل ما كان صالحا نافعا هشيما محطما لا يستفاد منه تذروه الرياح، ففي الحكمة والتأني الوصول إلى بر السلام هو الأفضل...

إذن الخلل دائما يأتي من تقصير الإنسان إما عن جهل  أو تعنت وعدم تقدير للظروف التي تحيط بالأمة وكذلك التسرع بالعقوبة قد يخلق مشكلة أصعب من الخطأ، الأصل كل إنسان يؤخذ بجريرة نفسه بالعقوبة التي يستحقها طالما الناس سواسية أمام العدالة، على أن يكون موقف كل مكونات المجتمع المدني صفا واحدا بغض النظر عن المجرم أو المجرمين حتى يدان ويتحمل مسؤولية فعله أو تثبت براءته، ولا حاجة للإشاعات والاتهامات والأحكام المسبقة فلا يعقل أن يدان نسيج اجتماعي كامل  لا ذنب له بجريمة مجرم  خارج عن القانون فهذا ليس من الحكمة في شيء

قال الله تعالى "وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ..."18 فاطر ،

 إذن العدل هو القضاء موضع الثقة وصاحب السلطة والبينة  الذي يرضي الكل ويميت الفتنة في مهدها ويعاقب المجرم وحده ويحافظ على النسيج المجتمعي والتعقل ...  

قال الله تعالى" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ"8 المائدة

تقديم الدكتور أحمد محمد شديفات/ عضو رابطة اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين   


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق