الجمعة، 30 أغسطس 2024

قبس من نور/د احمد محمد شديفات مجلة روائع الشعر والنثر وفرسان الحرف

 بسم الله الرحمن الرحيم

قبس من نور

"... فَلَمّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنهم ..."

سبحان الله كم حوى القرآن الكريم من المفردات التي تصور الوقائع وكأن الحوادث حاصلة للتو مازال أثرها بائن للعيان ونحن نمر بها دون أن نقف عندها أو نتأمل معناها...

ورد المشهد في آيتين غاية في الدقة والبيان عن فرعون وأمثاله

" فَلَمَّاۤ ءَاسَفُونَا ٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ فَأَغۡرَقۡنَـٰهُمۡ أَجۡمَعِینَ فَجَعَلۡنَـٰهُمۡ سَلَفࣰا وَمَثَلࣰا لِّلۡـَٔاخِرِینَ ٥٦"الزخرف

لعلك تكون مثلي لأول مرة يطرق مسامعك كلمة آسفونا...

فعلا كلمة غريبة المعنى قال ابن عاشور الأسَفُ: الغَضَبُ المَشُوبُ بِحُزْنٍ وكَدَرٍ، انتهى

فهو دليل على المخالفة والعصيان وكفران النعم والخروج عن طاعة الله وأمره وهذا صنيع فرعون وقومه...

فجاء الرد القرآني على صنيعهم هذا بأنهم قد آسفونا أي اغضبونا غضبا شديدا حتى لم يتركوا مجالا لرحمة الله عليهم ،

فكانت نتيجة ذلك "ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ" ولم يترك الله احدا منهم "فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ" فكانوا "سَلَفاً" سبقوا غيرهم وهم مثل لمن يأتي بعدهم  أن عملوا بصنيعهم فكانوا نظائر لهم

"وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ" في العبرة والاعتبار

هذه الآيات تؤكد وتنبه الكل أن الله حليم حكيم يمهل ولا يهمل شديد الانتقام إذا غضب من صنيع قوم...

واقع أمتنا الآن غير مريح مترجح غير مكترث بما يجري حولهم وكأن الأمر لا يعنيه من قريب أو بعيد... رَوى سُفيان بن عيينة عن سُفيان بن سعيد عن مِسْعَر قال : بَلَغَنِي أنَّ مَلَكًا أُمِر أن يَخْسِف بِقَرْيَة ، فقال : يا رَبّ فيها فُلان العَابِد ، فأوْحَى الله تعالى إليه أن بِـه فَابْـدَأ ، فإنه لَم يَتَمَعَّر وَجْهُه فيَّ سَاعَة قَط

والطرف الآخر أعجبه سكوت الأمة سكوتا حتى الموت حالهم ينطبق عليه "وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ" آية 22 فاطر،وبهذا فعلوا أسوء صنائعهم "...وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً "21 الفرقان،

فإن كان صنيعهم لا يرضي البشر فسيأتي الرد الرباني سريعا في وقته على الكل فقد آسفونا أشد الآسف فلم يتركوا مجالا لرحمة الله تنزل على الطرفين الساكت والمجرم  لاشتراكهم في قتل الضحية بدون ذنب ؟ فما ذنب المرأة والطفل والشيخ الكبير وتدمير غزة وعموم فلسطين ...

تقديم الدكتور أحمد محمد شديفات الأردن


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق