بسم الله الرحمن الرحيم
قبس من نور
"... أَنَّا نَأْتِى ٱلْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ..."
كنت فيما مضى أقرا هذه الآية، ولا أدرك لها معنى، وهي :-
"أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِى ٱلْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ" آية 41 من سورة الرعد،
وقد عُدت للتفاسير في موضوعها فوجدت أن الأمر يشرح زوال الامم والدول والبشر وخراب الديار فتصبح حضارات سادت ثم بادت.
فالآية حملت في طياتها وعيد شديد مفاجئ يباغت الظالمين على حين غره،
ترتيب الآيات القرآنية عادة ما يكون متناسقا محكما بخيط رفيع يدركه من يدقق في ذلك كما هي سورة الرعد، أنظر الآية40 التي سبقت آية 41 "وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ" وسبقهما آية 38 "لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ" تضمن وعيد وأجل مكتوب آت لا محالة بأمر الله عاجلا أو آجلا
قال الله تعالى "...عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ۖ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى..."آية 52 طه، للذين سعوا في الأرض فسادا وظلما وعدوانا تعسفا وخروجا على سنن الكون والفطرة السليمة،
قال عنهم الحق " فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً"
حقيقة الأرض لا يعتريها النقصان وإنما النقصان يأتي على المخلوقات وخاصة البشر بالذات أنظر غزة كم بلغ عدد القتلى فيهم أربعينا ألفا ونيف
قال الله تعالى "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ :-
الْخَوْفِ.... إرهاب نفسي ورعب وقلق وخطر وتهديد وتشريد وقصف صباح مساء،
وَالْجُوعِ...هزال شديد ووهن وضعف وعدم الحركة ونقصان كامل للعناصر الحيوية،
وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ...لم يعد المال أداة ووسيلة للبيع والشراء لفقدان السلع الغذائية،
وَالْأَنفُسِ...هنا تكمن المصيبة في قتل الإنسان وحرمانه الحياة بدون وجه حق،
وَالثَّمَرَاتِ ۗ...فقدانها بأنواعها من فواكه وخضروات فقدت ولم تعد موجودة وهو أشد الحرمان
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)البقرة،...هذه دعوة للصبر وانتظار الفرج بالنصر وقد لاحت بوادره
هذا هو الواقع أنظر ما حل في العراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان كم قتل من البشر ودمر من الممتلكات...أنظر اليوم أوكرانيا وروسيا كيف كانتا واين أصبحتا، حرب ضروس نيابة ووكالة عن العالم الغربي،
ورد عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال : لما فتحت قبرص فُرِّق بين أهلها فبكى بعضهم إلى بعض، فرأيت أبا الدرداء جالساً وحده يبكي فقلت : يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله ؟ فقال : ويحك يا جبير ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لها الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى)
السؤال الذي يطرح نفسه كيف يرد النقصان على الأرض مع أن الأرض لا يعتريها النقصان المقصود ما سلب وأغتصب وأخذ وأحتل وضم من اراضي دول الى دول أخرى فخرج من سلطانها وأدخل في سلطان الغير فهذه عقوبة ووعيد وذل ونزع ما في يدك والاستلاء عليه عنوة ،حتى زالت دول بأكملها والحقت بدول أخرى وهذا كثير...
أنظر الكيان بدون بيان بدأ برقعة صغيرة بما يساوي 21 الف كم2 مربع تقريبا ثم توسع وضم سيناء والجولان والضفة الغربية وبلغ في أوجه 90 الف كم2 ثم نقصت مساحته بعد معاهدات ومساومات على الحق العربي الى ما يقارب 26 الف كم2 تقريبا، ثم تقلص فتم بناء جدار الفصل العنصري وهكذا بدأ يطرأ الزوال والنقصان بهم وعليهم بإذن الله...
محور الآية "... وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ..."الآن لنتذكر ترابط الآيات القرآنية "لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ" و" وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ "
فأمر الله آت في وقته وأن طال فلا يلحقه بطلان ولا يملك أحد التعقيب عليه،" أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ" آية 1النحل،
فالحكم صدر من الله مبرم لا يلحقه نقض ولا أحد يستطيع أن يعقب عليه فلا يعتريه شائبة ولا نسيان،
إذن المسألة محسوبة بدقة ومحسومة تنتظر التنفيذ "وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ"
إذن" لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ" 196آل عمران،
تقديم الدكتور أحمد محمد شديفات/ الأردن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق