بسم الله الرحمن الرحيم
قبس من نور
"... وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ..."
هذه الجزئية وردت في آية 60 من سورة الأنفال "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ، وَعَدُوَّكُمْ،
وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ، لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ..
هذه لَفْتَة كَريمَة تحذيرية تنبيه للغافلين، وإشارة إلى فئة الدون بالذات بعد الحديث عن الاعداء الظاهرين المعروفين للكافة، والدون أقل درجة في المكانة الوصف والرقي البشري، بمعنى هو الحقير الخسيس النذل المؤذي الذي لا يظهر للعيان ويبقى يعمل في الظلام ، فقد تم الإشارة إلى أن هنالك أعداء مخفيين لا يعلمهم إلا الله يظهرون لكم خلاف ما يبطنون حقدا وحسدا اسْتَشْرَى في قلوبهم ونفوسهم وصدورهم فهم أشد عدوانا من المعتدين...
فالتصوير القرآني وضع النقاط على الحروف في الإجابة عما يدور من حديث بين الناس اليوم من شكوك تعتري مواقف بعض الدول والأشخاص ، ويكشف السر وراء التقارب السياسي والدعم اللوجستي العسكري والاقتصادي في الخفاء مع الأعداء من خلال روابط وتحالفات ومعاهدات مكتومة لا يعلمه إلا الله فأنتم لا تعلمونها ويكفي علم الله بها قد تكفل بهم لينالوا العقاب" يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ"19 غافر،
تصور عندما تخاطب شخص معين قائلا له لدي علم تام عن أفعالك وأقوالك وتحركاتك ماذا يعني ذلك؟ أنك مكشوف تمام التمام ولله المثل الأعلى فالله كاشف أغوار أنفسهم ويوجه لهم أشد تحذير وتهديد ووعيد مبطن بعلمه بعملهم ، وهي كذلك دعوة للمؤمن لإخذ الحيطة ضمن وسائل القوة والردع والترهيب والاستعداد لمراقبة هؤلاء المنفلتين ووضعهم تحت مجهر المراقبة لينالوا عقابهم في الوقت المناسب من الخزي والعار بسبب التقارب والتفاهم مع عدو الأمة ،والتودد له من أجل مصالحهم ومكانتهم تذبذبا ونفاقا
قال الله تعالى :-" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ... تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ..."آية 1 الممتحنة...
فالمؤمن كيس فطن يتتبع نهفات وسقطات الدون ويدرسها بدقة الملاحظة ثم يأخذ منهم الحذر الشديد فقد تخفي وراءها المصائب العظيمة ففي أيام معدودة أصيبت المقاومة في لبنان في قادتها قتلا وتدميرا وملاحقة كأن الدون يضعون السهم في موضعه بأيديهم في صدور القوم مما يدلل على أن وراء الكمة ما وراءها من تدبير مقصود ومحكم حسب الآية الكريمة "وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ..." ومن هنا كانت الحكمة العربية في مكانها "يؤتي الحذر من مأمنه" خاصة في مثل هذه الظروف المرتبكة،
فالمخفي دائما أعظم وأشد وطأة على النفس، فالنفس قد ترتبك وتشك ممن يحيطون بها وتتوجس منهم رهبة وخوفا إلا أن الله اراح المؤمنين لكي تطمئن قلوبهم فهؤلاء تحت رقابة الله جل جلاله "إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ" 14 الفجر، أعمالهم خائبة طالما الله تكفل بهم ...
فالوصف القرآني دقيق أن هؤلاء الدون هم أعداء بطريقة متوارية ومن نفس جنس الأعداء بل أشد وأنكى إلا أنهم غير ظاهرين وإنما مخفين ، والتخفي مقصود سببه عدم الفضيحة والخوف من الخزي والعار الذي سيلحق بهم جرى أعمالهم المشينة دليل سوء أخلاقهم وأفعالهم ، وهذا التكالب على العداوة والبغض مخالفة لأوامر الله والتنصل من الأخوة التي أمر بها الله، ويعتبر خيانة وغدر ومكر...
قال تعالى" وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ "46 ابراهيم
تقديم الدكتور أحمد محمد شديفات/ الأردن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق