بسم الله الرحمن الرحيم
قبس من نور
"... مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ ..."
هذه الآية وردت مع أخواتها في سورة الصافات فيها تأنيب وتعنيف واستنكار بعد استفهام أنطوى على نوع من السخرية والاستهتار وعدم المسؤولية والمبالاة في نصرة بعضكم البعض في أشد الظروف الصعبة، وهذا الخذلان أفدح خطأ قد يصيب الأمة في مقتلها...
وهكذا جاء الترتيب القرآني في العرض وطرح عدم المسؤولية وخيانة الأمانة والأمة وضياعها
وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ... مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ... بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ...
أمر رباني في اللوم على عدم التناصر فستلزم صدور" وقِفُوهم" تصور عندما يصدر هذا الأمر في وقت كنت لا تتوقع توقيفك فيه ومنع حريتك وتقيدك حركتك، طبعا مفاجئ لك ولكن هي العدالة... قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: إِنَّ اللَّه لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ" متفق عليه
هذه صورة المجرمين في الدنيا حال القبض عليهم وتقيديهم نوع من التحقير والإحباط لهم
فالتوقيف للمسائلة عن المسؤولية موقف مخزي لهم بالتغليظ عليهم من أجل الإقرار، فليكن كل مسؤول حذر مهما كان فلن يفلت من المسائلة يوما ما والسؤال على الوجهين "أحفِظ أم ضيَّع"
ولا أحد له حق التدخل " هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا "109 النساء
السؤال "ما لَكم لا تَناصَرُونَ "ألم يكن أخوتكم في ضيق ومشقة وأنتم لم تحركوا ساكنا في نصرتهم إذن هذا أكبر تقصير في حقهم" أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"
فالنصرة مسؤولية كل فرد من أفراد الأمة حاكما أو محكوما للقيام مع المظلوم ضد الظالم ووقفه عن ظلمه بكل السبل المتاحة سواء بالمال أو بالنفس أو قوة الردع بأنواعها وإلا تكون شريكا للمجرم في عدوانه ...
إذن "مَا لَكُمۡ لَا تَنَاصَرُونَ" استفهام عن حال عدم التناصر مما يثير في النفوس الإساءة والتعجب من موقفكم المشين على عدم النصرة فهل ينقصكم رجال أو أموال أو سلاح فأنتم هؤلاء تملكون زمام القوة والمبادرة، ونكصتم على أعقابكم بعدم التناصر
وقد أجاب صلى الله عليه وسلم على ذلك :- يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها». فقال قائل: ومِن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن». فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: "حب الدنيا، وكراهية الموت"
إذن اللوم عليكم أنت بالذات كأمة عربية إسلامية فلما لا تتناصرون كما تتناصر الأمم الأخرى عليكم أو يرحمونكم ، أو تنتظرون نصرة غيركم لكم...
ثم تأتي الكلمة الفاصل في الآية التالية "بَلْ" بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير وأنتهى الأمر الذي فيه تستفتيان إلى إبطال إمكانية حصول التناصر واستحالته بينهم مطلقا على الرغم كل ما يدور في الديار من دمار وسفك الدماء وهتك الأعراض فهو لا يحرك فيهم ساكنا
وتأتي الخاتمة "بَلۡ هُمُ ٱلۡیَوۡمَ مُسۡتَسۡلِمُونَ" استسلمت الأمة لمصيرها استلاما لا مثيل له في الخضوع والخنوع والاستجداء...
تقديم الدكتور أحمد محمد شديفات/ الأردن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق