بسم الله الرحمن الرحيم
قبس من نور
"... ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ..."
هذه المفردات الكريمة وردت في آية 120 من سورة التوبة "ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ" بدأت الآية بالالتفاف حول نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم وهي محكمة ودعوة باقية للتعاون والتضامن والتناصر بين المسلمين...
دعت الآية المجاهدين عدم التخلف عن النصرة في كل زمان ومكان " ذلك بأنهم " ما يلحق بهم من مصاعب ومشاق في أنفسهم وأبدانهم وفقدان كثير من النعم الضرورية المتاحة للغير كل هذا في سبيل الله،
هذا الظمأ والنصب والمخمصة... درس وعبرة لكل متخلف ومستهزئ ومستخف ومنكر لما يصيب المجاهدين من معاناة قاسية في وقت فقدان أسباب الحياة التي هي أصلا ممنوعة منعا باتا بأمر العدو عليهم وعلى حاضنتهم وهذا ما تراه من تخريب للمواد التموينية والطبية والعلاجية واستعمال الجوع سلاح بحق الجميع، هذه الشدائد تفضح هؤلاء الظالمين المانعين والمسببين للمجاعة وما تلاها
فكلمة ظمأ هي فقدان الماء أصلا بعد تدمير منابعه وروافده وقطع الأمل بالحصول عليه من أي منبع كان، وعلى أثر ذلك يكون العطش الشديد لا يطاق وجفاف للجسم كاملا، إذن ليست تلك مجرد كلمات للوصف تقال وإنما تعكس وضع الحال والمآل
وكلمة النصب لا تدل على مجرد التعب فالتعب أسبابه مختلفة من أشدها إرهاق النفس والصبر والثبات وترك أسباب الراحة وهجران النوم واستنفاذ كامل مخزون الطاقة الموجودة في الجسم وفي النهاية عدم القدرة على الحركة والقيام ومع هذا بقى يلوح بعصاه ولم ييأس يذب بها طائرة الجنون ليسقطها وهذا منتهى التضحية والدفاع حتى الرمق الأخير...
أما كلمة مخمصة فهي أشد وصفا ووقعا مما سبقها فقد أتي الجوع على ما بقي من ضروريات حياة الجسم بحيث لا يتركه حتى يدخله مجاهدا في سبيل الله، فهذا أقوى اختبار بعد أن يتلوَّى بطنه من شدة الجوع وتعصر معدته يمنةً ويَسْرة فما بقى إلا الزبد، فإذا كان المحرك الجامد لا يتحرك بدون وقود يأكل بعضه بعضا فكيف بأجساد حية نخرها الجوعى فأصبحت جلودا تضم بقايا عظام تلك هي المخمصة حالة المجاهدين وحاضنتهم ...كل ذلك في سبيل الله وحده.
بهذا أن أتضحت الصورة وبانت لا ينكرها إلا مجرم صور متحركة ظمأ...نصب...مخمصة وتطوف أمام العالم الغارق في غيه والبعض مشارك لظالم في ظلمة،
ننتقل إلى صورة أخرى في نفس الموقع وهي نتيجة حتمية لهذه المقدمة،
--- "وَلَا یَطَـُٔونَ مَوۡطِئࣰ یَغِیظُ ٱلۡكُفَّارَ" لو عدت لليوم المشهود الذي هاجت به أمة حرة مع خيوط الفجر الصادق وشروق شمسه في زحف غير متوقع، زحف يغطي وجه الأرض كجراد منتشر صوب هدفهم يطئون بأقدامهم كل العوائق والأسلاك الشائكة المكهربة والمصائد وأدوات التصوير...وقد اقتلعوه من أساسها وما تركوا سهلا ولا واديا إلا سلكوه ...
هذا المنظر المهيب المعيب بحق قَبِيلهم أثار غيض قلوبهم وحنِق صدور عدوِّهم وسخطه، وأثار حفيظة نفوسهم وحقدهم وغضبهم وكان امتعاضا وانفعالا شديدا مجرد وطئت أقدامهم أرضا أصلا هي حقا وملكا لهم...وهذا أول عمل مباغت يكتب لهم في التاريخ، وعلى أثر ذلك تحركت محاور الشر في كل مكان وداست الأرض وقتلت الإنسان؟
--- "وَلَا یَنَالُونَ مِنۡ عَدُوࣲّ نَّیۡلًا " النيل هنا ليس المقصود به العطاء والمنحة، وإنما النيل الأخذ بعنوة وقوة مما في يد العدو سواء من أموالهم وأسراهم مدنيين وعسكريين وسلاح بأنواعه وكل ما يملكون... يا سبحان الله القرآن رسم حالة نفسية حقيقة لهؤلاء الكفرة على مدى العصور خذ مثال الأسرى...كم قتل من المسلمين ودمر من ديارهم ومع ذلك مسألة الأسرى هي مشكلة المشاكل بالنسبة لهم ،
نيل آخر مما في يد عدوهم يقال أن عشرين بالمائة من الذخائر لا تنفجر ويعاد تدويرها ثم يقتل صاحبه بها آلا يثير ذلك الحنق على من أعادها والأمثلة كثيرة...
بعد هذا العرض لأعمال المجاهدين تكون البشارة والجائزة حفظ هذه الأعمال ويكتب لهم بها عمل صالح وأجر المحسنين من رب العالمين.
تقديم الدكتور أحمد محمد شديفات/ الأردن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق