بَيْنَ أَمْسٍ وَغَدْ
===
فِي وَطَنِي، حَاضِرُنَا غَائِبٌ أَوْ مُغَيَّبٌ، وَ الْحَاضِرُ مُوغِلٌ فِي الْمَاضِي السَّحِيقِ، رَغْمَ أَنَّهُ مَاضٍ إِلَى مُسْتَقْبَلٍ قَرِيبٍ وَ لَيْسَ مُضارِعاً بَعِيداً، لَا سَابِقٍ وَ لَا لَاحِقٍ عَلَى تَسَارُعِ وَتِيرَةِ زَمَنٍ مُتَلَاحِقٍ.
إِنَّهُ "الْمُسْتَقْبَلُ الْمُنِصَرِمُ" قَيْدَ حُدُوثِهِ، لَا يَرْتَبطُ بِالْحَدِيثِ مِنَ الْوَقَائِعِ، لَا مِنْ حَيْثُ الْأَفْكَارُ وَ لَا مِنْ حَيْثُ الْأَعْمَالُ. يَبْقَى هَذَا الْمسْتَقْبَلُ مُتشَبِّثاً بِالْمَاضِي لِاسْتِشْرَافِ آفَاقِ الْقَادِمِ مِنَ الْأَفْعَالِ. فَكَيْفَ يُمْكِنُ تَصْرِيفُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَزْمَةِ الْمُزْمِنَةِ لِلْأَزْمِنَةِ الْمُبْهَمَةِ الصِّفَاتِ وَ الْوَظِيفَةِ؟ وَ كَيْفَ يُمْكِنُ لَنَا أَنْ نَتَقَدَّمَ رَغْمَ هَذِهِ الْكَوابِح الزَّمَنِيَة وَ الْمَعْرِفِية وَ...؟ فَتَتَنَاسَلُ الْاَسْئِلَةُ، تَجَاوَزَتْهَا كُلُ الْأَزْمِنة وَ الْأَمْكِنَة، وَ أَغْلَبُهَا تَشْخِيصٌ لِوَضْعٍ كَائِنٍ، دُونَ طَرْحِ مَشْرُوعٍ بَدِيلٍ.
فَيَمْضِي الزَّمَنُ لِأَمْرٍ كَانَ مَعْلوماً، لَنْ يَتَوَقَّفَ عِنْدهُ لِيَتَجَاوَزَهُ كَمَا تَعَدَّى سَابِقِيهِ، وَ الْأَمْرُ زَمَنٌ يُسْتَعْمَلُ فِي شَطَطٍ، خِدْمَةً لِنَفْسِ كَانَ يَعْقُوبُ بَرِيئاً مِنْ تُهْمَةِ أَفْعَالِهَا. زَمَنٌ وَطَنَ فِي وَطَنِي كُلَّ هَذَا الْأَزَلِ، رَغْمَ طُولِ الْمُدَّةِ،يَنْقُصُهُ زَمَنٌ آمِرٌ بِالْحَقِّ و الْعَدْلِ عِنْدَ النَّزَلِ. إِنْ اسْتُعْمِلَ بِحَزْمٍ في حَلِّ قَضَايَا الْوَطَنِ، لَصَارَ لِهَذَا الْأَمْسِ الْأَرْعَنِ تَوْقِيتاً دَقِيقاً لِغَدٍ زَاهِرٍ .
_____
أديب عدي
-------
"الْمُسْتَقْبَلُ الْمُنِصَرِمُ": مصطلح أطلقه الدكتورعبد الله العروي على الزمن المغربي في المستقبل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق