لو أن معاناة الآخرين تُضحِكك، فلست جديراً بنعيم الله !!
******************************
بقلم د. بهي الدين مرسي ..
-----------------------------------------------
تخرّجت من كلية الطب وأصبحت طبيباً بالرغم من رسوبي في النهائي..
نعم هذه حقيقة وليست دعابة، فقد حدث ذلك بالفعل (دفعة 1978 بكلية_طب_القاهرة)، ولست الطبيب الوحيد الذي حصل على بكالوريوس الطب وهو راسب!!
في الحقيقة لم تنجح سوى طبيبة واحدة من أصل 26 طالباً كنا في المجموعة "ب" من هذه الدفعة.
أتذكر في السنة النهائية بكلية الطب، وبينما نحن الطلبة في مرور جماعي على حالات الأطفال بمستشفى الأطفال الجامعي المعروف بـ "أبي الريش" وقد طلب الأستاذ المساعد من أحد الطلاب مناظرة حالة طفل بصحبة أمه الريفية الفقيرة، ولكي يستجيب الطفل للفحص من قبل الطالب، أعطاه قطعة شوكولاته بالبندق كانت في جيبه للفطور (نعم يفطر شوكولاته)، وما أن خطفها الطفل بلهفة، راح يتلذذ بأكل الشوكولاته و"يتف" البندق ظناً منه أنه "بذر" !!
أثار هذا المشهد عاصفة من ضحك الطلاب والأستاذ المساعد، وصاح البعض معلقاً (هههه ، فاكرها بذر.. ههههاى) وكنت أنا أيضاً ممن ضحكوا على هذا المشهد، ولم لا، وهو مشهد يجعل المترفين من أمثالنا يتعجبون من الفقر "المضحك".
إلا_طالبة_واحدة .... كانت تقف بجواري، لم تضحك، وامتلأت عيناها بالدموع، ومسحتها، وانزوت بعيدا لتنهمر في بكاء_مكتوم، ولا زلت أراقبها حتى انصرفت وهي تخفي وجهها بيديها.
.
.
الآن، وبعد كل هذه السنوات، لا أزال أتذكر هذا المشهد، ولكن المتغير الذي أصابني هو قراءتي الجديدة للمشهد، وهي القراءة التي سبقتني إليها زميلتي قبل 36 عاماً ولا زلت أتذكّر اسمها، وهي الوحيدة التي تخرجت كـ "طبيبة" لأنها نجحت فيما رسب فيه الآخرون – وأنا منهم- وهو قراءة أعراض الفقر لأنه بالفعل "إصابة" شأن أي مرض بدني آخر، وكل الفرق أنه مرض "اجتماعي".
.
.
لو أن معاناة الآخرين تُضحكك، فلست جديراً بنعيم الله، بل لست جديراً
بلقب "إنسان"
لذا، تبدأ دراسة الطب في الطفولة،
عندما تتربى على مفاهيم الإنسانية، وتذكر أنك لو شعرت بألمك،
فأنت بالتأكيد حي،
أما لو أنك تشعر بآلام الآخرين،
فأنت عندئذ بالفعل "إنسان".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق